د. محمد بشير عبادي يكتب: *الخلاوى القرآنية.. الأصالة مع الحداثة*
التنشئة الإجتماعية، هي الإهتمام بالإنسان وتطوره في محيطه الاجتماعي وبيئته اليومية ومن شأنها أن تحول الإنسان، تلك المادة العضوية إلى فرد اجتماعي قادر على التفاعل والإندماج بسهولة مع أفراد المجتمع.
تبدأ التنشئة منذ مرحلة الطفولة الأولى وهي التي تتحكم في سلوك الفرد المستقبلي وبما أن الخلوة القرآنية مؤسسة تعليمية تربوية ينتسب إليها منذ مرحلة الطفولة والصبا، فلما لا تنشأ خلاوى قرآنية غير تقليدية؟ ليس كتلك التي نشاهدها اليوم، كما هي عليه منذ قرون خلت.!! لما لا تكون خلاوى قائمة على الأصالة مع الحداثة؟ ، الأصالة بمناهجها القرآنية التي تربي الفرد على هدي القرآن الكريم وليس حفظه فقط، بل غرس قيمه بصورة عملية لدى النشء وهنا الحداثة مطلوبة بإستخدام تقنيات العصر من حاسوب وأدوات تعليمية حتى المظهر الجيد والمناشط داخل الخلوة، حتى تكون بيئة جاذبة لا منفرة وكأنها أماكن لعقاب الجانحين.. فاليوم كل طفل جانح شقي أتي به للخلوة عقاباََ وبالمقابل رياض الأطفال على النسق الغربي صارت هي البيئة الجاذبة وتدفع لها الأموال الطائلة ليتخرج منها أجيال مغربة بألسنة وعادات أجنبية غريبة البيئة والثقافة.
الدول الغربية تتولى الأطفال بالرعاية والتربية منذ مرحلة الحضانة حتى يكبروا ويصلوا إلى المرحلة الجامعية ولكل منهم ملف يحوي كل ما يتعلق بشخصيته ونفسيته ومعدل ذكاءه ودرجاته العلمية ومهاراته وهواياته ومواهبه وكافة إهتماماته، ليستفاد منه حسب إمكانياته مستقبلاََ وخلال هذه المراحل يكون قد تربى على المدنية من منظورهم .. في مرحلة الروضة تغرس فيه قيم الصدق وإحترام القانون و إستخدام والمحافظة على المرافق العامة، فترى الطفل يقف في إشارة المشاة حتى تضئ العلامة الخضراء، فيعبر الطريق، إنه التدريب العملي عبر الرحلات وإرتياد الأماكن العامة وكيفية التعامل داخلها.
نحن المسلمين أولى بذلك فديننا الحنيف مبني على العقيدة والشريعة.. الشريعة التي تعني المعاملات والسلوك وحسن الخلق.. للخلوة القرآنية دور حضاري كبير ومهم، إذا ما تم تطويرها والإهتمام بها.. لتخرج لنا أجيالاََ معافاة من عقد المدنية الزائفة والتغريب والتجهيل المتعمد..جيل ينهض بالبلاد على أساس من العلم والأخلاق.
نحن في السودان وبعد أن ذقنا مرارات هذه الحرب وويلاتها.. هذه الحرب التي نشبت بسبب تراكمات لأخطاء سياسية وتباينات ومفارقات إجتماعية وتفكير جمعي سلبي أستمر لعقود من الزمان إن لم تكن قرون، كان المجتمع فيها غافلاََ يعيش في منطقة ضغط منخفض جعلته نهباََ لثقافات وافدة بفعل القادمين من خارج الحدود، مستعمرين كانوا أو مهاجرين، مما جعل حتى هويتنا في مهب الريح، دعك من موارد وثروات منهوبة.. غفلة جعلت بلادنا، الأجنبي فيها متحكم ويده عليا والمواطن الأصيل صارت يده سفلى، بل شنت عليه حرب لأجل استئصاله وإبداله بآخرين أجانب.
ينبغي أن تكون هذه الحرب كالصيّب الذي ينزل على الأرض فتهتز وتربو لتنبت زرعاََ، لتنهض البلاد من بعد كبوة ولا نهضة إلا بإنسان واعٍ مستنير متسلح بالإيمان والعلم ومصاغ على هدى رباني ليقوم بدوره على أكمل وجه في إستخلافه على الأرض،لذلك خير مؤسسة تقوم بهذا الدور الريادي في التغيير الحضاري المنشود، هي الخلوة القرآنية التربوية، فلتنصب الجهود منذ الآن لإعمار الخلاوى وفق أسس جديدة في المباني والمعاني، لتخرج أجيال ذوي همم وعزيمة عالية، يمثلون قادة التغيير قابل الأيام.