د. محمد بشير عبادي يكتب: العَلْمانية
العَلْمانية أو العالَمانية أو اللائكية أو الدنيوية، هي نظرية سياسية وفلسفية تهدف إلى فصل الدين عن الدولة وعدم تدخله في شؤون الحكم والسياسة، أي أن التفاعل البشري مع الحياة يجب أن يقوم على أساس دنيوي وليس ديني وهي ليست مأخوذة من العلم كما هو مفهوم في العلوم الطبيعية أو الاجتماعية، كلمة “عَلمْانية” تشتق من الكلمة الفرنسية “laïcité” والتي تعني الفصل بين الدين والدولة،فمصطلح “عَلْمانية” لا يشير إلى مجال العلم بمعنى البحث والاكتشاف العلمي.
يقول المفكر الإسلامي “عبد الوهاب المسيري”، (لكن أنا أعرّف العلمانية بأنها ليست فصل الدين عن الدولة وإنما فصل مجمل حياة الإنسان عن جميع القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية)، فالعلمانية تحبس الدين في المساجد والكنائس والأديرة والمعابد ولا تؤمن بأن الدين بمثل ما هو عقيدة تنتظم فيها سائر العبادات هو كذلك شريعة تنظم المعاملات وأن الدين عندالله هو الإسلام،هو وحي من السماء، جاء لترتيب وضبط الحال، تمهيداََ ومعبر لمآل.
ظهر مصطلح العلمانية في أوروبا في القرن التاسع عشر كجزء من نتاج الحركات الفكرية والسياسية التي تطالب بفصل الدين عن الدولة وتأسيس نظام حكم مدني مستقل ونشأت الحركات العلمانية في أوروبا نتيجة للرغبة في تقليل تأثير الكنائس والمؤسسات الدينية على الحكم والقرارات السياسية وتحقيق المزيد من الحرية والمساواة للمواطنين بغض النظر عن انتماءهم الديني، ذلك لأن الكنائس كانت تمارس نفوذاََ كبيراََ في الشؤون السياسية والاجتماعية وكان لها دور مهم في صياغة السياسات والقوانين وظهرت الحركات العلمانية كرد فعل على هذا التأثير الديني الكبير على الحكم والقرارات التي عطلت نهضة أوروبا ما قبل الثورة الفرنسية.
خطورة العلمانية أنها تدع الإنسان يتبع غرائزه وهواه دون وازع أو رقيب، لذلك هي تبيح المثلية،بل وتبيح كافة الممارسات الشاذة غير السوية، دون تدخل للمنع من قبل السلطان، بإعتبارها ممارسات تقع في إطار الحرية الشخصية ،لذلك تفشت الأمراض الاجتماعية كإدمان المسكرات والإباحية الجنسية وفقد الأفراد الاحساس بالأمان الداخلي وطمأنينة الوجدان وتفككت الأسر وكثرت حالات الانتحار وزاد الشقاق بين الأمم والشعوب، بطغيان المادة على القيم الأخلاقية والروحية وتحول الإنسان لمجرد آلة مسخرة للإنتاج دون مراعاة لآدميته ، فنشبت الحروب الطاحنة والنزاعات تكالباََ على حطام الدنيا وأُهلك جراء ذلك الحرث والنسل، بل وفقد الكون توازنه.. “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، لأن كثير من غير المؤمنين أو ضعيفي الإيمان لا يزجرهم الوعظ بالدين والحث على التوبة من اغتراف المعاصي والكف عن العدوان، لذلك لابد من زجرهم بقوة السلطان، يقول الله سبحانه وتعالى: “وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا”، (الكهف-28)، فرطا، أي بلا ترتيب أو نظام،فالإسلام عني بعمارة الأرض ورعاية الكون عناية خاصة، يتمثل ذلك بجملة القيم الحضارية في الإسلام كلها بأبعادها المتنوعة، ابتداءاََ من بناء الإنسان عقلاً وجسداً وروحاً، إنتهاءاََ بالعمارة المادية النافعة،فالإنسان خليفة الله في الأرض، كلفه تبارك وتعالى ببنائها وحرّم عليه الفساد والإفساد فيها بالمفهوم الشامل المادي والمعنوي، نحو سفك الدماء والإتلاف والإيذاء والظلم والفواحش وسائر المنكرات،”وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ على مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ”، (البقرة-204).
…..
#منصة_اشواق_السودان