علم الدين عمر يكتب: المحكمة الدولية.. من نسي أن يعقد الخيط في آخر الابرة؟
حاجب الدهشة ..
..المنصوري الحائك (الترزي) في إحدى قصائد أستاذنا وصديقنا الكبير محي الدين الفاتح هو رجل يبذل جهداً جباراً لحياكة جلبابه الجديد ..منفقاً في ذلك جل ساعات النهار ..بمزيج بين المهارة والأمل ..بيد أنه حين (يجر إليه الإبرة ) نهاية النهار ينسى أن يعقد الخيط في أخرها..فيخرج مع الإبرة من أصل القماش .. لامعاً وقوياً وغير معقود ..فيضيع مجهود الرجل الذي لا ينفك يعاود حياكته مملوصة الخيط هذه …ومحكمة الجنايات الدولية مثل المنصوري هذا تنسى أن تعقد الخيط في آخر الإبرة وهي تجرها على قماشها المرقع بخرق الأخلاق وخيوط البؤس الإنساني ..في بداية أمرها كانت كل القضايا المرفوعة لهذه المنصة الفاسدة ضد أفراد مناهضين للأنظمة السياسية في بلدانهم لضمان تعاون حكوماتهم مع المحكمة وتقديمهم كقرابين لشرعيتها المشروخة ..ومن ثم أنتقلت لمرحلة الضغط على بعض الدول للإعتراف بفشل أنظمتها القضائية في التعامل مع أنتهاكات حقوق الإنسان بمعايير الغرب المختلة..كيوغندا التي أعياها جيش الرب وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى ..وبدأت خطوات تسييس المحكمة لصالح أحكام سيطرة عدالتها المزعومة على أنقاض الزراعة الاستعمارية الملغومة في أفريقيا منذ بداية تأسيسها في العام ألفين واثنين كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وأول هيئة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية وبزمن غير محدد لمحاكمة الواقعين تحت خط الإنتهاكات المذكورة ومنذ البداية أنتقدت الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا ميثاق المحكمة ورفضت التوقيع عليه .. لاحقاً أنضمت لهم إسرائيل التي وقعت ثم سحبت توقيعها ..بعد أن جرى إفهامها أن جلباب المنصوري لم يصمم لها ..فالعدالة تجاه هذه الجرائم تشمل فقط الدول الإفريقية والزعماء الذين يشكلون خطراً على مخططات الاستعمار الجديد وبعض كباش الفداء من الغربيين الذين يمكن التضحية بهم كجلاد الصرب الشهير ..وطوال تاريخها الحافل بالرشاوي وتقاطعات المصالح فتحت هذه المحكمة البائسة تحقيقات في أربع قضايا خاصة بيوغندا والكونغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى ودارفور واحتجزت إثنين من المشتبه بهما في إنتظار المحاكمة وأصدرت تسعة مذكرات توقيف ..لم تشمل ولا مجرم حرب واحد متورط في حرب العراق ولا سوريا ولا فلسطين ولا القوقاز ولا أفغانستان من منظومة الدول التي جرى تدميرها لصالح قوى الشر العالمي أو ضمن صراعاتها ..ولذلك ليس مستغرباً أن تكون رئيسة المحكمة السابقة سيلفيا اليخاندرو الأرجنتينية الأصل قد حصلت على رشاوى مليونية لتلفيق الاتهامات أو توزيعها بعيداً عن مظانها في غزة ومينمار والعراق وسوريا ..إذ أن راعي الضأن في الخلا يعلم أن ميزان هذه المحكمة منصوب على الريح بلا رمانة ولذلك أصدر الاتحاد الأفريقي قرارات متتالية نصت على عدم التعاون معها وأتهمها قبل أن تخرج فضيحة الرشاوي للعلن بإستهداف عنصري للقارة الأفريقية ..وفيما يبدو أن المحكمة والمؤامرة من خلفها لم تفطن لإنحراف بوصلتها عن المسار وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ترتكب كل يوم في غزة والضفة وتدك المدارس ودور الإيواء علي رؤوس اللاجئين إليها ويتم الإعتداء في وضح النهار حتي علي مراكز ومقار المؤسسات والمنظمات الدولية التي تحمل ذات شارة المحكمة ويقتل موظفي الإغاثة ..في يناير من العام ٢٠١٢م تفجر الموقف الأفريقي من المحكمة بصورة واضحة خلال قمة الإتحاد الأفريقي بأديس أبابا ونادي القادة الأفارقة بتطبيق مبدأ المحاسبة على الجميع وليس على أفريقيا وحدها وبدأت الدول الإفريقية تحرص على دعوة الرئيس البشير حينها لزيارتها كلما لاحت مناسبة لذلك..لدرجة أن دول الإتحاد أصرت على نقل قمة ذاك العام من العاصمة المالاوية ليلونغوي لأديس أبابا لأن تلك الدولة وقفت موقفاً ضبابياً من المحكمة ..وطرحت مسودة إنشاء محكمة عدل أفريقية مختصة تقوم على أمر العدالة الإقليمية بعيدا عن هذه المحكمة الموبوءة الموصومة بالفساد والأجندة ..الأموال التي استخدمتها بنوك ومؤسسات مالية غير خاضعة للرقابة الدولية في حساب رئيسة المحكمة ومدعيتها العامة السابقة إضافة للادلة التي قدمها المنتدى الأفريقي (ديفيد ماتسانغا) كدليل على تورط المدعي السابق للمحكمة لويس أوكامبو في أعمال مشابهة ..تبقى هي العقدة التي نسيت القوى الداعمة لجهود المحكمة أحكامها في آخر الخيط الذي أنسرب على الجلباب الدولي تاركاً إياه (اباطه والنجم) ..لذلك هي مؤسسة لا يعول عليها في تحقيق العدالة أو تقرير الإنتهكات التي ترتكب وستظل مترددة في ملفات حية كقضية الحرب في السودان وإنتهاكات إسرائيل في غزة.
نعود
….
#منصة_اشواق_السودان