منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

د.السر احمد سليمان يكتب: لماذا الويل للهمزة اللمزة؟

السر احمد سليمان
0

الاختلال في السلوك الاقتصادي وآثاره الاجتماعية وكيفية ضبطه في ضوء هدايات سورة الهمزة

تبين سورة الهمزة الاختلالات في السلوك الاقتصادي والاجتماعي لدى الإنسان، وتبين آثار تلك الاختلالات على شخصية الإنسان والتي تنعكس سلبيا على تعامله مع الآخرين، وتأثيرها عليه سلبيا بالاضطراب في إعاقة التفكير السوي للتخطيط الاستراتيجي، وتبين السورة أيضا ما يترتب على ذلك من عقاب وهلاك. ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:

• أولا: اختلال الأهداف في السلوك الاقتصادي: أول مظاهر الاختلال في السلوك الاقتصادي للإنسان هو الاختلال في الأهداف التي من أجلها ينشط الإنسان ويسعى! ويتمثل ذلك الاختلال في أن يكون الهدف النهائي للنشاط والسلوك الاقتصادي هو جمع المال وتعداده فقط؛ أي من أجل تحقيق أكبر قدر من الاقتناء والغنى المالي المتمثل في الأرصدة الجامدة، كما بينته السورة: {الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَه} [الهمزة:2]. أي: “الذي جمع مالا وأحصى عدده، ولم ينفقه في سبيل الله، ولم يؤد حق الله فيه، ولكنه جمعه فأوعاه وحفظه” (الطبري). والْمَقْصُودُ الذَّمُّ عَلَى إِمْسَاكِ الْمَالِ عَنْ سَبِيلِ الطَّاعَةِ. كَمَا قَالَ: {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ}[ق: ٢٥]، وقال: {وجَمَعَ فَأَوْعى}[المعارج: ١٨]” (القرطبي).
ومن النواتج التي ترتبط باختلال الأهداف في السلوك الاقتصادي ما يلي:

1- الشعور بالخلود المتوهم والاختلال في التفكير المستقبلي: إنّ اختلال السلوك الاقتصادي المتمثل في عدم وضع الأهداف الموضوعية للتعامل مع المكتسبات المالية، والعجز عن توظيفيها بصورة إيجابية، سينعكس على شخصية الفرد بصورة سلبية، ويؤدي لإعاقة التفكير الموضوعي في المستقبل، فبدلا من استخدام ذلك المال في التنمية والتطوير، من خلال الانفاق الاجتماعي أو الاستثماري بصورة إيجابية، سيصبح صاحبه مضطربا في تفكيره، مختلا في فهمه لطبيعة الحياة، فيصاب بالتوهم بالخلود الأبدي؛ ويحرص على صرف المال بما يؤدي لتأكيد الأبدية المتوهمة، كما بينته السورة: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَه} [الهمزة:3]؛ أي: “طوّل المال أمله، ومنّاه الأماني البعيدة، حتى أصبح لفرط غفلته وطول أمله يحسب أنّ المال تركه خالدا في الدنيا لا يموت” (الزمخشري). “وإنَّما قالَ: (أخْلَدَهُ) ولَمْ يَقُلْ: يُخَلِّدُهُ؛ لِأنَّ المُرادَ يَحْسَبُ هَذا الإنْسانُ أنَّ المالَ ضَمِنَ لَهُ الخُلُودَ وأعْطاهُ الأمانَ مِنَ المَوْتِ وكَأنَّهُ حُكْمٌ قَدْ فُرِغَ مِنهُ، ولِذَلِكَ ذَكَرَهُ عَلى الماضِي” (الألوسي).

2- الاضطراب في السلوك الاجتماعي من خلال التعامل السلبي مع الآخرين وتبني الوصمات السلبية والتمييز الاجتماعي: فالشخص الذي اتسم باختلال الأهداف في السلوك الاقتصادي، سيكون مختلا في إدارة انفعالاته من خلال تعامله مع الآخرين، وذلك بنظرته إليهم بسخرية واستهزاء ووصمهم بالعيوب والنقائص والسعي لتمييزهم اجتماعيا بالتعالي عليهم واحتقارهم عن طريق الهمز واللمز؛ كما ورد في الآية: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَة} [الهمزة:1]. و”الهمز: الكسر. واللمز: الطعن… والمراد: الكسر من أعراض الناس والغض منهم، واغتيابهم، والطعن فيهم. وبناء (فُعَلة) يدل على أنّ ذلك عادة منه قد ضري بها” (الزمخشري).

والهمز في القرآن قد ورد مرتبطا بالمشي بالنميمة بين الناس لإشاعة الكراهية والاحتقار والعدوان وتوظيف الوسائط والوسائل الإعلامية لتحقيق ذلك؛ قال الله تعالى: {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيم} [القلم:11]. والهمز قد يكون غاية في الخفاء كما تقوم بذلك الشياطين المستترة؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِين} [المؤمنون:97]. واللمز عادة ما يكون بالمواجهة والاستهزاء والسخرية المباشرة؛ قال الله عزّ وجلّ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} [التوبة:79]. وقال الله عزّ وجلّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون}[الحجرات:11].

والملاحظ أنّ الهمز واللمز يدلان على اضطراب في الشخصية ويفرزان سلوكا عدوانيا نابعا من تلك السمات الشخصية المتأصلة نظرا لورود اللفظتين على صيفة (فُعلة)، ويتمثل ذلك السلوك من خلال نشر الكراهية والانتقاص من قدر الآخرين ووصمهم بالعيوب الكثيرة؛ وذلك من خلال السخرية المباشرة وغير المباشرة، في الخفاء وفي العلن؛ والتعامل مع الأفراد والجماعات والمجتمعات بسخرية تؤدي للتمييز العنصري أو الطبقي، وتوظيف الوسائط المختلفة لتحقيق ذلك.
وقد يكون الهمز واللمز نتيجة نابعة من تجميع الأموال وعدها وقد يكونا سببا في التجميع والعد بدلا من البذل والانفاق.

• ثانيا: الهدايات القرآنية لضبط الاختلال في السلوك الاقتصادي والاجتماعي:
نلاحظ أن السورة الكريمة قدمت توصيفا دقيقا لاختلال السلوك واكتساب السمات الشخصية السالبة، والاضطراب في إدارة الأموال والتعامل مع الآخرين بصورة غير سوية، وما يترتب على ذلك من آثار سالبة. كما قدمت السورة هدايات وتوجيهات لتصحيح وتعديل الخلل في السلوك والسمات السالبة والتعامل غير الموضوعي مع المال ومع الناس الآخرين؛ ومن تلك الهدايات ما يلي:

1- التأكيد والحث على الكسب والنشاط الاقتصادي ولكن بناء على أهداف واضحة وموضوعية، تتمثل في السعي لتوظيف الأموال المكتسبة في الإنفاق الإيجابي وإعادة تدوير الأموال فيما فيه نفع وإعمار للناس والكون، ويتضح ذلك من خلال ذم الكسب المالي من أجل الجمع وتجميد الفعالية والتعداد فقط. وبناء على ذلك لابد من تحديد الأهداف الموضوعية للنشاط الاقتصادي. ولابد من التخطيط السليم في التعامل مع المال وإنفاقه للتنمية الاجتماعية.

2- التأكيد على أهمية وضرورة التعايش السلمي والتعامل الإيجابي مع الآخرين وكبت الانفعالات السالبة المتمثلة في السخرية من الآخرين، والحد من بث الكراهية وقتل الشخصيات، ومنع اطلاق الوصم السلبي الذي يتم بصورة مباشرة كاللمز أو بصورة خفية كالهمز. وبناء على ذلك لابد من الوقاية من الاضطرابات الانفعالية في التعاملات الاجتماعية من خلال تعزيز التعاطف الإيجابي والمشاركة الموضوعية.

3- نشر القوانين وإظهار العقاب المترتب على الاختلال في السلوك الاقتصادي والاجتماعي: لابد من نشر القوانين الصارمة لضبط التعاملات المالية، وقوانين التعامل الاجتماعي على أسس سوية، وتجريم الذين يقومون بالتمييز الاجتماعي ويشيعون ثقافة الكراهية والوصمات السالبة لقتل الشخصيات والمجموعات والمجتمعات، وبناء على ذلك لابد من إبراز العقاب الرادع كما تضمنته معظم آيات سورة الهمزة. فقد قال الله عزّ وجلّ: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَة}[الهمزة:1]. وقال الله عزّ وجلّ: {كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَة (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَة (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَة (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَة (7) إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَة (8 ) فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَة (9)} [الهمزة:4 – 9].

والله أعلم

د. السر أحمد سليمان
أستاذ علم النفس بجامعة حائل
المملكة العربية السعودية
….

#منصة_اشواق_السودان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.