د فضل الله أحمد عبدالله يكتب : عبدالرحيم محمد حسين : نكتب عنكم لأنه إجترأ وتطاول عليكم من لن ينالون منكم شيئا
د فضل الله أحمد عبدالله يكتب :
عبدالرحيم محمد حسين : نكتب عنكم لأنه إجترأ وتطاول عليكم من لن ينالون منكم شيئا
ما من رجل ألمعي يصدق مع نفسه في السودان اليوم ، إلا ويرى بلادنا تتهاوى في مستنقع الكراهية بتكلس قيمة التسامح ، ورفض الخروج من الذات ، لملاقاة الآخر ، بدفء الإنسانية وعلو قيمها .
نحن الآن الأمة الوحيدة بين الأمم ، جعلت أغلب نشاط أفرادها ، هو حرب الأشخاص ، والكراهية غدت لازمة من لوازم الأفراد ، والجماعات والطوائف .
إزدادت شهوة المكائد والدسائس والأحقاد ، وسلوك الحسد في جميع الدوائر ومجالات أنشطة حيواتنا ، حتى في دوائر تشجيع فرق أندية كرة القدم .
القطيعة أصبحت كيدا سريا ، ووجد الناس متعة عظيمة في البغض المتشفي ، والضغينة الماحقة إشباعا وتسلية للنفوس ، إلا من رحم ربي .
والقطيعة ضغينة وفتنة في الصدور ، لا تزول ، ولذلك تحاشى العقلاء نقل القطيعة وإشاعتها بين الناس .
فقد أصبح قول الدكتور منصور خالد وكلامه عن الحسد عند السودانيين أكثرإلتماعا اليوم من أي وقت مضى ، إذ ماثل الرجل السوداني ، بـكلب القرية ، الذي يلهث خلف كل عربة سائرة في الطريق العام ، فإذا وقفت صد راجعاً عنها لينتظر عربة أخرى سائرة ليجري خلفها .
وسط هذا النقع المثار ، من الصعب أن تكتب عن جانب مضئ شهدته في ( زيد أو عبيد ) من الناس ، ومن كارثة الكوارث أن تقول قولا سمحا عن سوداني عرفته بصدق ، منطلقا من إنسانيتك وسماحة تربيتك .
وسط هذا الركام يا قارئي يرعاك الله ، نكتب عن ما شهدنا في بعض رجال السودان الأفاضل ونساءه الفاضلات ، وما شهدنا إلا بما علمنا ، والله خير الشاهدين .
وما أقساها من مهمة وسط هذا الزخم من المخذيلين وخونة الوطن وأهله ، دعاة التنابذ والتباذئ ، المتطاولين على الأوفياء من الناس
والمتطاولين على الأوفياء من الناس .
ولأننا نحرص على تاريخنا من الضياع والإنقطاع في بلد كالسودان يطفح بالإحن والتطاحن والقلاقل .
أكتب مقالي هذا ، في زمان من التاريخ ، وزمان من الفكر ، صنعته بغير شك جهود رجال ، بثوراتهم الفكرية ، وخصائصهم الإنسانية المائزة .
أوقدوا في السودان أيام ” عدل الوقت ” كما يقول الحردلو ،
حيث كانت السواقي تدور ،
والضروع ملأى ،
والحقول مخضرة ،
والديار عامرة ،
والزمان يبتسم بوجه طفل .
والزمان عند الحاردلو أعوج ، أو عدل :
( كم شويم لهن وقتا عدال أيامي
شيخ ” الأتبراوي ” وماشي فيهن كلامي )
والزمن العدل عندنا الآن ، ليس إلا ذلك الزمن الذي أضعناه بفعل أيادينا ووهم الأحلام .
زمان كانت فيه سحائب الخير تنتظم البلادا ، سقيا للزمن الآتي .
كانت هنا المصانع تدور ،
ومرافئ المحبة والتوادد مزدهرة ،
ومآذن شامخة تشرئب على كل البيوت ،
منها ينطلق صوت المنادي :
حي على الفلاح .
ونمد أصابعنا أمام الصلف الأمريكي ونتأبى في شمم على الطغاة الصهاينة في تل أبيب .
ومن هؤلاء الذين قادوا هذه البلاد ، في الزمان والفكر ، والأحداث ، هو القائد الفريق أول ركن مهندس عبدالرحيم محمد حسين ( أب عصاية ) كما كنا نناديه في ” شلتنا ” تلك – من العاملين في إنتاج البرنامج التلفزيوني الشاهق ( في ساحات الفداء ) ومجموعة ( اللجنة ) وهم العاملين في مكتب الشهيد العميد إبراهيم شمس الدين .
نحن وهم وآخرين من صفوة الشباب إحتضنتنا القلوب ،
قلوب بعضنا بعضا ،
وطاب لنا نعيم الرقاد في الخنادق ورجع صدى التكبير والتهليل ،
وأصوات المنشدين أوان كل فتح ، دون بطر بالنصر أو إنتصار .
يا لتلك الأيام ويا لهم من صحاب ” :
( وعيوني لم تزل تهفو لهم
تندب الدهر الذي أبعدهم
فهي تدري أنني من بعدهم
ضاع عمري بين أنات وهم
واصطلى قلبي بنيران الحميم )
وعبدالرحيم محمد حسين ، هو من أقرب القادة إلينا ونحن في تلك الأجواء النورانية ، ولليالينا أنس ، ننشد الحور العين وتجري الأمنيات على ألسنتنا :
( عاشق لشذاها
عاشق لفرار
أم عاشق لهواها
يا جنة الأسحار
حوريتي الحسناء
حسنا يفوق جمال
أنا قد أجيئ معفرا
ممزق الأوصال )
ويذهل عبدالرحيم محمد حسين ، القائد ، زهوله الخاص ، ويهده الوجد والشغف .
مستذكرا رفاقه من الشهداء ، الذين إستشهدوا في سبيل الله والوطن .
كيف لا ، وهو الرجل الذي شب ويده على يد الحركة الإسلامية ، يطوي ضلوعه عليها ، فكرا ، ووجدانا ،
متلاشيا في كل عنصر من عناصر تكوينها .
عاش تقلبات فصولها ، إذ لن تسطيع أن تقرأ شخصيته إلا من خلال قراءتك للحركة الإسلامية التي هي نفسه ، وصوته الجهير الذي يبعث به في مسالك حسه المرهف .
ويمشي متكئا عليها في مواقفه كلها ويملأ بها من اللذة أنفاسه ، ويزحم بها من شاهق فكرها رأسه ، ويملأ محبة الإخوان دنيا قلبه وعالم روحه .
والحق أن عبدالرحيم محمد حسين هو من أولئك الذين يعيشون ( الكلاسيكية ) في حياتهم .
وقد يصعب فهم هذا الوصف منا له ، وذلك أن ( الكلاسيكية ) يجهلها أكثر الناس استعمالا لها .
فالكلاسيكية عندي كما هي في مذهب الأديب السوداني الراحل ( طه حسين الكد ) تعني الإتقان والصحة النهائية ، وتعني الأجمل ، وتعني الأقرب إلى أجمل النفوس وأروعها في سلامة الفطرة الإنسانية .
عبدالرحيم محمد حسين ، من ذلك النمط الممتاز في تكوين شخصيته ، عصبا ، وهوى ، ومزاجا وأحساسا .
وتعجبني شخصيته ، فحينما تستمع إليه كمتحدث تجده حاضر البديهة ، عبقري اللطافة والفكاهة ، وكأن السرور كله اجتمع في فؤاده ، وكذا الكرم والجود والعفو والصفح .
وأقرأ معي يا صاح السيرة العلمية الرفيعة ، والحرفية الحاذقة في مجال هندسة تصميم الطائرات الحربية للفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين عبد الكريم .
المولود في أغسطس 1949 في كرمة شمال السودان .
– متزوج وأب لثمانية أبناء
* مراحل التعليم العام :
– المرحلة الأولية: البرقيق الأول 1956-1960 –
– المرحلة المتوسطه: البرقيق الوسطة 1960-1964 .
– المرحلة الثانوية: دنقلا الثانوية 1964-1968
* التعليم العالي :
– بكلاريوس الهندسة الميكانيكة 1969-1973 جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا ” المعهد الفني سابقا ” .
* الكلية الحربية السودانية : – تاريخ الالتحاق: نوفمبر – 1973 – تاريخ التخرج يونيو – 1974
* الدورات الدراسية التخصصية :
– الاتحاد السوفيتي : هندسة صيانة مقاتلات الميج21 ” هياكل ومحركات ” مدة الدراسة عام واحد – ديسمبر 1974 – يناير 1976-
– الاتحاد السوفيتي : هندسة صيانة مقاتلات الميج17 ” هياكل ومحركات ” مدة الدراسة عام واحد أبريل 1976- أبريل 1977.
* التعليم فوق الجامعي : – المملكة المتحدة: جامعة كرانفيلد Granfield University ماجستير هندسة تصميم طائرات Master in Aircraft Design 1982-1980
– السودان: كلية القادة والأركان السودانية ماجستير العلوم العسكرية الدفعة 15 (1985 – 1986)
– المجلس الهندسي السوداني : مهندس مستشار برقم هندسي 811
– الأكاديمية العسكرية العليا : زمالة كلية الدفاع الوطني
* الوظائف التي شغلها :
– مهندس سرب مقاتلات
– مدير معهد القوات الجوية السودانية
– الأمين العام للمجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني 1990-1993
– الأمين العام لرئاسة الجمهورية ووزير الداخليه 18/1/1993 – 13/7/1994
– وزير رئاسة الجمهورية 13/7/1994- 7/3/1998
– وزير الداخليه 8/3/1998 – 7/7/2000
– وزير رئاسة الجمهورية 8/7/2000 – 21/2/2001
– وزير الداخلية 22/2/2001 – 20/6/2005
– وزير الدفاع 2005-2015
– والي ولاية الخرطوم 2015-2018
– رئيس الجهاز القومي للاستثمار 2018-2019
* الأوسمة والأنواط :
– وسام الخدمة الطويلة الممتازة – وسام الدفاع الذهبي – وسام الإنجاز – نوط الواجب – وسام الجدارة – وسام النيلين – وسام الصمود – وسام الانتربول ، وسام عالمي من الانتربول .
الفريق أول ركن عبدالرحيم محمد حسين عرفناه زمنا طويلا بحساب الأيام والأعوام ، عميقا بحساب المعاني والإحساس .
كنا قريبين منه في العقد الأول من عهد الإنقاذ وحتى بحر العقد الثاني منه بحكم أنه كان رئيسا لمجلس أدارة مؤسسة الفداء للإنتاج الإعلامي .
عرفنا فيه النبل ،
ودماثة الخلق ،
وحسن المعشر ،
وقوة الحجة ،
ونصاعة المنطق .
رأيناه في بيته ، كيف كان يبهر جالسيه من مودة وحنان .
يلاطف هذا ويوادد ذلك ،
ويفرد جناحه في عطف على الجميع .
وحينما يتحدث عن إخوانه كأنما يحكي قصة محبوكة التكوين والمشاهد .
يحدثك بجمال نبل رفاقه في المسير ،
ويحكي عنهم بكل سماحة نفسه المضيئة .
كان أحب أيام لقاءنا به ، يوم الخميس في بيته حيث إفطار الصائمين في كل أسبوع ،
ويشهد الله ، لا يجتمع عنده في ذلك اليوم إلا البسطاء من الناس والشباب من أهل الورع والصلاح ، المجاهدين والمتبتلين الصائمين .
يجالس الحضور بتواضع جم وبساطة وخلق نبيل ، ينم عن نفس راضية مرضية تخشى الله في سكناتها ، شهدناه صواما متبتلا تاليا للقرآن الكريم .
وشهر رمضان عند عبدالرحيم محمد حسين هو الشهر الذي يعطي فيه من صدق نفسه للآخرين ، ومساحة واسعة عامرة بالكرم والمروءة .
ولا أزال أسمع صدى صوته ، كلما أدخل إليه في بيته وهو محاط بالمجاهدين الأصفياء الأوفياء ، يصيح بأعلى صوته أهلا أهلا ( يا منايا ) أهو جا ، وقد عرف عني محبتي وشغفي الأدائي الخاص لقصيدة صلاح أحمد إبراهيم الملحمية ( نحن والردى ) :
( يا منايا حومي حول الحمى
واستعرضينا واصطفي
كل سمح النفس بسام العشيات الوفي
الحليم العف كالأنسام روحا وسجايا
أريحي والوجه للكف افترارا وعطايا
فأذا ما لا قاك بشوشا وحفي بضمير كتاب الله طاهر
فانشبى الأظفار في أكتافه واختطفي )
وما أن اقول ذلك بطلب وإلحاح منه في كل جلسة من الجلسات ، إلا يصيح صيحته تلك ( الله أكبر ) ثم يمسك برأسي ، وبإنفعال تسمع له ضجيج في صدره ، لن انساه ما حييت .
وكيف أنسى أيامنا تلك وأقل ما توصف أنها غرة في جبين تاريخ حياتنا ، وضياء على صفحات أعمارنا .
عبدالرحيم محمد حسين ، قائد ، بسيط في لغته ، وأسلوبه في الكلام ، وفي الحياة ، وفي كل شيء ، اللهم إلا الحكمة التي أوتيها في منهج قيادته للناس ، والتي ما تلبث أن تتكشف ، لمن يتروى ويدقق ، من خلال بساطته هذه نفسها .
بساطة عبدالرحيم محمد حسين هي سمته العادي في التعامل مع كل العاملين معه والمخالطين له في الحياة العامة .
فهو يحبذ ذلك المنهج في التعامل ابتداءا ، ريثما تغوي أحدهم بالتنطع ، حينذاك يستل من غراب خفي أدوات دهاء ما لم ترى مثلها عند أحد قط .
أخي الكريم الفريق أول مهندس عبدالرحيم محمد حسين ، لقد أعطيت البلد والناس ولم تستبق شيئا .
في هذا الزمن المختل إجترئ وتطاول عليك من لن ينالون منك شيئا ، فاصبر واستعن بالله ، والله غالب على أمره .
الدكتور فضل الله أحمد عبدالله
أم درمان الثلاثاء 25 أكتوبر 2022م