د.أسامه ميرغني راشد يكتب : هل يتم تقسيم المصالح بدلا عن تقسيم السودان
د.أسامه ميرغني راشد يكتب :
هل يتم تقسيم المصالح بدلا عن تقسيم السودان
تمضي الحرب في السودان لتكمل نحو عام ونصف تقريبا ولا زالت مشتعلة بضراوة شديدة على مسارات مختلفة عسكريا فالخرطوم العاصمة لا زالت خارج سيطرة الدولة بشكل جزئي ولكن كبير ومؤثر بدليل عدم قدرة الحكومة المركزية من ممارسة أعمالها من أي بقعة فيها برغم التقدم الكبير للقوات المسلحة السودانية في محور أمدرمان بشكل كبير ومحور بحري بشكل متوسط فيما يظل محور مدينة الخرطوم نفسها وشرق النيل خارج عن سيطرة القوات المسلحة إلا من بعض مناطق محدودة، أما على صعيد الولايات فلا زالت أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة بما فيه عاصمة الولاية ودمدني خارج سلطة الدولة والقوات المسلحة السودانية فيما تظل سنجه عاصمة ولاية سنار والدندر والسوكي وما حولهما من جبل مويه ومصنع سكر سنار وغيرها من قرى ولاية سنار هي المناطق التي بسيطرة التمرد عليها أصبح مسيطرا على وسط السودان بشكل كبير جدا ، أما ولايات كردفان الكبرى فبإستثناء ولاية شمال كردفان والتي يهددها التمرد بسيطرته على بعض مدنها مثل بارا وأم روابه وغيرها فإن بقية ولايات كردفان الكبرى موزعة ما بين مناطق سقطت في يد تمرد الدعم السريع كولاية غرب كردفان وبعض مناطق في جنوب كردفان وبين مناطق أصلا تحت سيطرة تمرد الحركة الشعبية شمال جناح الحلو والتي تنتشر في بعض من أجزاء ولاية جنوب كردفان فيما يتمسك الجيش السوداني بعواصم ولايات شمال كردفان وجنوب كردفان وبعض المناطق في هذه الولايات ، فيما يلاحظ تواجد التمرد في تخوم ولاية النيل الأبيض من جهة الشمال في القطينة وما حولها ومن جهة كردفان في ام روابه وما جاورها .
أم الولايات الشرقية فهي لا زالت بعيدة عن التمرد رغم التهديدات التي تحدث بين الفينة والأخرى لولاية القضارف .
أم الولايات الشمالية وهما ولايتي نهر النيل والشمالية فلا زال التمرد داخل حدود ولاية نهر النيل في منطقة حجر العسل والتي تبعد عن مدينة شندي بضع كيلومترات فيما لا زالت قوات التمرد مستعصمة بمصفاة الجيلي والتي تقع في نهاية ولاية الخرطوم بمحلية بحري وعلى تخوم ومدخل الطريق الرئيسي المؤدي الي عاصمة ولاية نهر النيل ومدنها الرئيسية، أما الولاية الشمالية فطريقها القومي الرابط مع ولاية الخرطوم مهدد في الحدود الفاصلة بين الولاية الشمالية وولاية الخرطوم فالمزارع الكثيرة التي يمتلكها حميدتي وأسرته تعتبر معسكرات للدعم السريع ومواقع ربط مع ولايات دارفور وكردفان والشمالية والخرطوم فهذا الطريق الممتد في الصحراء يشرف على طرق برية تربط هذه الولايات مع بعضها البعض خاصة عند مدينة الدبه التي يمكن الوصول عبرها لولاية شمال دارفور وشمال كردفان أيضا .
أما دارفور فهي بإستثناء مدينة الفاشر كمدينة فإن كل دارفور واقعة تحت سيطرة مليشيا التمرد الدعم السريع.
كيف تمدد الدعم السريع بهذا الإنتشار الواسع ؟
يبدو لي أن هناك مجموعة أهداف لهذه الحرب ليس من بينها أن يتمكن الدعم السريع من السيطرة والحكم ولكن مسموح له الإنتشار والتخريب والتدمير بأقصى قوة ممكنة ولأطول فترة ممكنة دون السماح له بإسقاط كامل للدولة السودانية ، فالناظر الي حجم الإنتشار الواسع لمليشيات الدعم السريع بهذه السرعة وحجم الجرائم والإنتهاكات والتخريب والقتل والتدمير الذي يحدث في تحد سافر لكل القوانين والأعراف الدولية والقوانين الإنسانية بل ويرافق ذلك صمت دولي مريب وتوصيف خاطئ لطبيعة الحرب حتى من المجتمع الدولي ومن بعض الكيانات السياسية الداخلية ومع كل ذلك التواطوء يفشل تمرد الدعم السريع من تشكيل سلطة سياسية على غرار ما حصل في ليبيا واليمن وحماية هذه السلطة وممارسة نشاط مدني يحسن صورته هذا الأمر يشير إلي أنه غير مسموح لمليشيات الدعم السريع من ممارسة بناء أي سلطة مدنية في مواقع سيطرتهم بل مطلوب منهم ممارسة أقصى درجات التخريب والتدمير والإنتقام ونشر صراع عنصري قائم على الكراهية بشكل غير مسبوق إطلاقا لتفتيت قوام وتماسك الشعب السوداني وزرع بؤرة صراع مجتمعي يقوم على أنقاض الحرب يشغل المجتمع بتبني الثأر والإنتقام وجعل البلاد تموج في حالة فوضى مستمرة لا تتوقف في المستقبل المنظور على الأقل .
وهنا يبدو أن هذا التمدد والإنتشار للتمرد دون القدرة على بناء أي منظومة مدنية هو إجراء ضروري ومهم لتنفيذ المخطط والأهداف بسهولة فما هي الأهداف وكيف ستتعامل معها سلطة الدولة القائمة والقوات المسلحة السودانية.
يبدو لي ولأي متابع للحرب أن الأهداف الظاهرة هي السيطرة على موارد البلاد وتمكين شركات الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية من الموارد الرئيسية للبلاد والتي يمثل البترول والذهب واليورانيم والمعادن الأخرى رأس الرمح فيها فيما تمثل الأراضي الخصبة والموارد الطبيعية كالمياه والثروة الحيوانية ضرورة ملحة بالتوازي مع المعادن النفيسة، ولكن هل من سبيل لأخذ هذه الموارد بدون تركيع الدولة والشعب السوداني ؟
هناك فيما يبدو لي أن سياسة التخريب والتدمير الممنهج للبنى التحتية والتاريخ والقيم والموروثات الثقافية وضرب النسيج الإجتماعي بتجنيد أكبر عدد من المتعاونين من وسط الأحياء والسكان ليصبح ذلك مدخلا من مداخل الصراع الإجتماعي بين السكان وكذلك فإن تخريب البنية التحتية والشوارع والمساكن والمؤسسات ومصادر الطاقة والمياه وضرب مؤسسات ضخمة كالمصفاة ومدينة جياد الصناعية ومؤسسات التصنيع الحربي وضرب أقتصاد البلاد بإيقاف عمليات الصادر من الماشية واللحوم والحبوب الزيتية والصمغ العربي وغيرها كثير، كل ذلك يمثل مدخلا لتقسيم الموارد بدلا من تقسيم السودان كيف ذلك
يبدو لي أن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا على وجه التحديد يطمعون بشكل رئيسي في البترول واليورانيم والذهب والسيطرة على منع قيام صناعات تسليحية ودفاعية كالتصنيع الحريي ليس خوفا من تقوية الجيش السوداني تجاه أي تمرد مستقبلا والقضاء على ما هو حادث الآن ولكن لمنع نقل تكنلوجيا الصناعات الحربية بشكل أو بآخر لفاعلين في المنطقة وعلى رأسهم حركة حماس ولذلك ستمنع أميركا بشكل كبير أي تطوير للصناعات العسكرية في السودان .
يبقى الجانب الآخر من الموارد وهو مشروعات الإعمار وإعادة البناء وما يرافقها من مشروعات الطاقة المحدودة وهذا ما ستطمع فيه الصين بشكل مباشر ولكن لابد لها من الحصول على ضمانات السداد وهذا ما سيجعل مشروعات كتطوير حقول النفط وبناء مصافي بترول جديدة من نصيب الصين .
أما روسيا فقد تكون ضمن مشروعات التسليح المحدودة وواردات القمح وقليل من النفوذ في مجال الذهب .
هذا السيناريو الغريب سيحصل فيه أمراء الحرب من بقايا قيادات مليشيا الدعم السريع من التمتع ببعض الإمتيازات في مجال الذهب ومظاهر للسلطة في دارفور تغطي على عمليات تمكين الشركات الأمريكية والفرنسية من موارد دارفور التي هي مبدأ ومنتهى الصراع الحالي والذي يمثل جزء من مراحل الصراع الممتد تجاه السودان والذي سيليه صراع المياه والغذاء في نهاية هذا القرن.
سيتم تمكين القوات المسلحة السودانية من بسط سلطتها وسيطرتها على البلاد في إطار النموذج المقبول أمريكيا وسيتم حرق القوى المدنية بإنعاش البلاد اقتصاديا عبر مشاريع إعادة الإعمار والتعويضات غير المباشرة عبر منصات جديدة متحكم فيها عبر القوات المسلحة السودانية بعد إعادة ترتيبها بشكل يتقبل الترتيبات الجديدة.
ما يجري الآن في الميدان العسكري يوضح أن الجيش يعمل بقوة جوية ضاربة وحركة برية برغم محدوديتها إلا أنها فعالة ومنتجة ويطبع الحياة بشكل إيجابي برغم البطء في دولاب العمل في مناطق سيطرته ، يقابل ذلك إرتكاب مزيد من الجرائم والإنتهاكات من قبل المليشيات المتمردة وإحتراقها إما بالطيران أو بالعمليات الخاصة أو على تخوم مدينة الفاشر أو عند أسوار سلاح المدرعات وسلاح الإشارة وفي محيط القيادة العامة وهذا يشير وكأن هناك رغبة من الداعمين للحرب لإحراق وإفناء أكبر عدد من القوة البشرية للتمرد حتى ينتهي الأمر بتعويضات وفتات مال وسلطة بلهاء لمن تبقى من أمراء حرب المليشيات.
على الصعيد الدبلوماسي فقد نجحت وزارة الخارجية ومندوبها في نيويورك من إدارة المعركة الدبلوماسية وسط أمواج عاتية من الأعداء والتي بينت طبيعة المعركة والداعمين الإقليميين والدوليبن
إلا أنه وبرغم هذا المجهود الدبلوماسي الجبار فإن المجتمع الدولي يعمل لأن تفضي مشاوراته مع السودان والقوات المسلحة بشكل رئيسي لإتفاق مع المجتمع الدولي قوامه تقسيم المصالح لا تقسيم البلاد ، ولعل مشاركة رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة رقم 79 والتي سيلقي فيها خطاب السودان يوم الخميس القادم ستفصح نتائج هذه المشاركة عن طبيعة المرحلة المقبلة وما يدل على ذلك طبيعة النشاط الدبلوماسي الكبير الذي يسبق الآن خطاب البرهان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي من بين ثنايا هذا النشاط لقاءات البرهان بعدة رؤساء دول مؤثرة مثل تركيا وإيران وافريقيا الوسطى فضلا عن الكويت وغيرهم الي جانب لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة فيما هناك أنباء عن لقاء جمع البرهان مع مدير المخابرات الأمريكية والمبعوث توم برييلو مما يشير لفكرة تقاسم المصالح لا تقسيم البلاد، على الرغم من أن مشروع التقسيم موجود على الطاولة وليس بعيدا عن أي مساومة.
سيحاولون حرق السودان وأبناءه بهذه الحرب ولكن تلك إرادتهم ولكن إرادة الله غالبة.