منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

د.عثمان البشير الكباشي يكتب بين سنن البرامكة والتكايا والأمم المتحدة

0

د.عثمان البشير الكباشي يكتب

بين سنن البرامكة والتكايا والأمم المتحدة

في 28 اكتوبر الماضي قدم الأمين العام للأمم المتحدة البرتغالي أنطونيو غوتيريش تقريره أمام مجلس الأمن الدولي بخصوص الأوضاع في السودان .
افاداته في الشق الانساني لم تجد كثير اهتمام ولا حتى تعليق من غالب الناس ، ومر عليها الجميع مرور الكرام.
الناس محقون في تجاهل تصريح الرجل الذي يحمل صفة أكبر موظف أممي ، لأن ثقتهم متدنية جدا في الأمم المتحدة ، التي تكتفي غالبا بالقول دون الفعل ، كونها محكومة بارادة الكبار في العالم ، فهى لا ترد عدوانا ، ولا تنصر ضعيفا ، ولاتقيم عدلا .
يقول نص تصريح السيد أنطونيو ( إن المبادرات المعروفة محليا باسم التكايا قدمت أفضل ما في الانسانية في بلد يعاني ،
قدمت وجها آخر للسودان) !!! .

تذكرت ما أنطق الله به لسان الرجل عند اطلاعي على مشاركة صباحية في قروب واتس آب من السفير د. عثمان عربي حول قصيدة سنن البرامكة أحد عيون التراث السوداني .
أثارت مشاركة السفير عثمان عندي شجون قديمة متجددة ، تتصل بتلك القصيدة التي كتبها الشاعر بابا من منطقة الجزيرة يمدح فيها الزعيم أسطورة الكرم وحاتم الطائ زمانه
النعيم ود حمد ، الذي ينتسب إلى جده الشيخ حمد النحلان ود الترابي ، وهو أيضًا من زعماء المجتمع الأفذاذ المعروفين .
ترقى في مراتب السخاء والنبل حتى تربع على قلوب أهل السودان الأوسط ، بل صار رمزا لقيمة الجود لدى السودانيين كافة .
أولئك الذين يسدون الثغرات ويتجاوز الناس بفضل الله ثم بجودهم سنوات الجوع والمسغبة ، كما فعل النعيم في إحدى المجاعات الشهيرة .
سرني وسر كل منتمي مفتخر بميراث أهل السودان في الكرم والتكافل أن القائمين على شأن مبادرات إطعام الناس في حرب الكرامة نسبوا مبادرتهم الانسانية المباركة الى مسمى( التكية) الذي يحمل دلالات عميقة في التراث والوجدان السوداني، نعود لتفصيل القول فيها لاحقا إن شاء الله.
ذلك إن استلهام تراث السودانيين في المروءة والنجدة مفيد جدا في محنة الوطن التي يكابدها الجميع ، أقل تلك الفوائد سودنة قيم العمل الطوعي وردها إلى مرجعية أخلاقية ملهمة وثرية .
دعونا في وقفتنا هذه ندخل معا لديوان الأيقونة النعيم ودحمد . لا نحتاج إذن ولا موعد مسبق ، ( فديوان النعيم ولا بنسد ) كما أخبر الشاعر بابا .
في مجلسنا مع الزعيم النعيم ، نحاول أن نتعلم جملة من قيم وأصول العمل الانساني الخيري كما جسدها الرجل دون زيف ، حتى قبل أن يعرف العالم منظمات الإغاثة .
وطبعا قبل تصريح الموظف الأممي الكبير في اكتوبر الماضي .
لن نطيل المجلس في الديوان ، ولكنها وقفات عجلى ، وتعليقات مختصرة على بعض أبيات سنن البرامكة، نهديها لشباب وشابات بلادنا الأكارم القائمين على خدمات التكايا أينما كانوا ، و أرجو أن نتوسع في هذه التأملات لاحقا ، ننقب عن قيمنا الملهمة في هذا الشأن من زوايا أخرى .
نص القصيدة
والتعليقات عليها بين قوسين .

يا الأحييت سنن البرامكة
عاجبني طول ايده سامكه
يا يا با قول النعيم درّاج المتابكة
[ تدريج العاطلة والمتابكة مصطلح سوداني صميم ، مبعثه منهج الشرع والأخلاق والوصية بالترفق بالضعفاء ، فيه تلخيص كاف لكل أهداف قاموس العمل الانساني ومفردات العمل الاغاثي ]
***********
النعيم يا فحل القبائلْ
كريم لمّام الهمايلْ
[ الحقيقة أن النقاء العرقي العنصري ما عرفته القبلية في السودان قط ، بل إن القبائل الفاعلة المهابة المؤثرة الحكيمة هى التي تضم { اللميم } ، وهم المتصاهرون والمتجاورون والمتساكنون والعابرون والمتعاونون في شؤون الحياة مع القبيلة الأكبر تجارة وغيرها .
العهد بينهم والقبيلة الأكبر في كل منطقة ، بل في كل قرية هو عهد مواطنة وعدل ورحمة ]

*********
شيتا براك ما أظنو خايلْ
ايدو ام ِرويق والقِبلي شايلْ
[ أم رويق والقبلي بروق وحالة مناخية مضمونة الغيث وفق التجارب الشعبية ، عطاء النعيم ليس ظني كعهود ووعود منظمات الاغاثة الكذوبة ولكنها غيث واقع لامحالة ]

*********
النعيم يا قاصدين لبا
خشمو انطبع لي مرحبا
[ اللبا هو حليب الأم لمولودها حديث الولادة ، لايشبه حليب إغاثة بعضه مصنوع للكلاب ]

[ نفقة أهل العطاء الانساني الحقيقي لا تسبقها ولا يعقبها من ولا أذى ، أو دعاية وتقارير وصور إعلامية تحرص عليها منظمات الإغاثة و تذبح بها كرامةالفقير لأجل حفنة دقيق أو نحوه ، ولكن نموذج النعيم قائم على الترحاب والابتسام وبليلة المباشر والستر دون من ولا أذى ، حتى أن الترحاب والبسمة صار جزء من شخصياتهم ]

*********
والبتلبن للضيف بضبحا
[ بر النعيم من ما يحب ، بهيمة لبن أطفاله ]

********
أنا غنيت ِجب مسدارو
شوف النعيم كيف لاوي شالو
ما حسبوك في القالوا قالوا

العيش ِرخص والقمري طالوا
**********
النعيم قادر وحدو
ما تكترو وتتقعدو

[ حقا الرجل المخلص يساوي أمة .هذا البيت من القصيدة يذكرني الأفندية وهم يجتمعون وينفضون بكثرة دون فائدة تذكر ، كما يذكرني ما تواتر من دراسات عن منظمات الأمم المتحدة التي تصل نسبة الصرف الاداري فيها الى 70% من ميزانيتها ، وذلك بسبب التركيز على امتيازات أهل تلك المنظمات أكثر من الفقراء المستهدفين ]
***********
هو رب القدرة ساعدو
ختو لو الصحة ما فنتدو
[ غاية رجاء النعيم دعاء صالح بالعافية ]
*********
أنا غنيت للولد
الاسمو النعيم ود حمد
وكت العيش ِبقى بالقِبض
ديوان النعيم ولا بنسد
***********
غنيت لدابي الرجيمة
ما بحوى على البهيمة
هو لك الشكرات قديمة
ما بشيل المال الفي القسيمة
[ أخذ مال القسيمة باسم الفقراء هو آفة مجتمعاتنا المسماة حديثة ، وهو الفساد بعينه ، عكس سلوك القيادات المجتمعية من أهل العفة والزهد في الحرام عبر التحايل على قسيمة الرسوم الحكومية ]
**********
يقدل زي شمس الضحي
والبتتاوم للضيف يضبحا
[ ما أشد وقع ذبح التي تلد التوأم من القطيع إلا عند أمثال النعيم ]
*********
غنت ليك أم رشوم
هو مو لها وطق خُشوم
[ منظمات الاغاثة المعاصرة غالبها { طق خشوم } أي إعلام وفخر وتسييس ، عكس عطاء أمثال النعيم ]
********
وكت العيش بقى معدوم
فوق ضهرو الولية تنوم
[ نوم الولية دون هموم هو هدف فعل أمثال النعيم ، لا أولئك الذين يتحدثون عن الجندرة ويسكتون بل يتواطؤن على اغتصاب النساء واذلالهن .
عند أمثال النعيم إكرام النساء شرف وصدق ودين ، لامزايدة ومتاجرة ]
********
يا الشرفت القضا
يا الحاكيت المن مكوار بدا
خدامتو القعدا
هيِ بتدرِش وقالت قضى

[ اعداد الطعام ليس ميسرا في زمن النعيم . قبل استخدام طواحين الغلال الحديثة .
هذه المرأة المبروكة التي جلست أمام {المرحاكة } لتطحن دقيق الطعام ، رغم انها تطحن بيدها على الحجر ، ورغم إنها في مرحلة الدراشة التي يعقبها الطحين ، ثم التنعيم .
ولكنها تطمئن النعيم وضيوفه بأن الطعام جاهز ودقيقه مايزال حبا .
إنها الهمة والخبرة والتفاني ليس من النعيم وحده ولكن أيضا من الطاهية البرمكية ]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.