منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

خالدة عبدالسلام تكتب: *اليوم نُولدُ من جديد*

0

خالدة عبدالسلام تكتب:
*اليوم نُولدُ من جديد*

لقد كانا عاميْن مليئيْن بالكثير من الحِكم الخفيَّة ، الأمنياتِ التي فقدناها و الأحلامِ التي تمسَّكنا بها ، باليأسِ المؤذي و الأملِ المنجي ، عامان تألمنا فيهما كثيراً و تعلمنا فيهما أكثر ، استشعرنا فيهما رحمةَ الله و حكمتَه، شعرنا بالامتنان لأنفسنا ، دربناها على قولِ (لا) ، تعلمنا الاستغناء عن من لا يُدرك قيمتنا ، كانا عاميْن مليئيْن بالتناقضات ، عاميْن شهدنا فيهما الانتصارَ و الانكسار ، الأمنَ و الخوف ، الثباتَ و الانهزام ، المتاعبَ و الارتياح ، و الكثيرَ الكثير من كرم الله في كلِّ التفاصيل ..

عامان تعلمنا فيهما ألا نعيش لذواتنا ، تعلمنا فيهما أن نعيشَ لغيرنا ، أن نضحيَ من أجل أفكارِنا و معتقداتِنا و أرضِنا ، تعلمنا أن الحياةَ ليست بعدِّ السنين ، و لكنها بعدادِ العطاء و الإحسان ، فالحياةُ ليست شيئاً سوى أفكارٍ و معتقداتٍ و من ثمَّ إنعامٌ و جودٌ و برٌّ و بذلٌ و تضحيات ، فإننا نعيش حياةً مضاعَفة حينما نعيشُها للآخرين ، فشجرةُ العطاء دوماً محملةٌ بالأمنيات ، التي تجعل قلوبَنا بضَّةً نديَّةً و طريَّة ، تعلمنا أن في معارك الوجود ليس السلاحُ هو المنتصر بل القلوبُ ، القلوبُ التي تُصرُّ على الحياة في رضا الرحمنِ و يعْمُرها الإيمان ، القلوبُ التي تُقاوم الجوعَ و الجفافَ و الخوفَ و الظمأَ بيقينٍ و صبرٍ و احتساب ، القلوبُ التي تسيرُ على هدىً من اللهِ في كلِّ حركاتِها و سكناتِها و ترجو نصرَه ، القلوبُ التي تنتزعُ الشهادةَ انتزاعاً و تطمعُ في الاصطفاء ، قلوبٌ تحيا بالتكبير و تدعو بالنفير ..

تذكَّرْ يا ابنَ أمَّ ، يا من تبلعُ خِنجراً مسموماً أن للحرية تكاليفَ لن يُطيقها إلا الصابرون ، و اعلمْ يا صاحبَ القضيةِ أنَّ المعركةَ مفروضةٌ علينا لا مناصَ منها ، و هي معركةٌ ليست بالجديدة ، و كأنَّ عقاربَ الساعة لم تتحركْ ، فمعاركُنا لم تتغيَّرْ و عدوُّنا لم يتغيَّرْ و طبيعةُ المعركة و وجهتُها هما ذاتُهما؛ ما كان منها قبل ألفٍ و أربعمائة عامٍ تُشابه تماماً ما كان منها قبل سبعين عاماً، و ما كان منها قبل شهرٍ أو قبل ساعة ، معاركُنا تتشابه و تتماثل ، تتكررُ الحكاياتُ ذاتَها ، تتغيرُ الملامحُ فقط ، نرى العدوَّ يستخدمُ كلَّ أسلحته القديمة و الحديثة دفعةً واحدة ، و ألواناً شتى من الكيد و المكر ، يتوهمون أنهم آلهةٌ يصنعون المعجزات ، و يملكون الخوارق ، لكن الحقيقةَ أنَّ يقظتنا ترعبُهم، و سلاحُ المقاومة يُخيفُهم ، ترتعدُ فرائصُهم من تلك السنابلِ المنحنية للهِ وحدَه ، سنابلَ مثقلةٌ بسلاح الإيمانِ و اليقينِ و العزةِ و الكرامة ، فصفحاتُ التاريخ تشهدُ أنَّ النصرَ لا يركعُ إلا لرجلٍ يُقاوم ، و أنَّ الأرضَ تُطوى له كزرابيِّ، و السماءُ تمدُّ حبلَها لرجالٍ كعلامةِ الفجرِ خيطاً أبيضَ في الظُّلمة الحالكة ..

فالتحيةُ لكلِّ من حمل السودانَ في قلبه و اليقينَ في صدرِه ، من وقفَ حراً صامداً يسكنُه رغم عتمةِ الظُّلمِ الضياءَ و على جبينه الوضَّاءِ تتفتحُ الأفراح ، يقينُه أنَّ الوعدَ وعدُ الله ، و أن الأرضَ العطشى ستُزهرُ بالتكبيرِ و التهليل ، و ستشْرعُ بالنصرِ بوابةُ السماء ، إنَّ ارضَنا باتت ميزانَ حقٍّ ، تطرح بركةً و خيراً بوعدِ السماء ، ميلاداً لفجرٍ جديدٍ يتدفقُ بالضوء ، فلا عتمةَ تسكنُ و لا شمسَ تغيبُ ، و تربتُنا من رُفاة الشهداء و حجارتُها من مسكِ دمائهم ، مبانيها من همسِ أنفاسهم ، أرضٌ لا تليق إلا بالأطْهارِ و الأبطالِ و المجاهدين و الصادقين ، أرضٌ لا تموتُ و إن تكاثر حولها الغزاة ، أرضٌ تُولد من جديد مع كلِّ شهيد ، انتهى زمنُ النهايات و ها نحن نتحدث عن البدايات ، سنبدأ من جديد؛ فمن قنَطَ ليس منا، و ليس منا من انحنى ، فالنهايةُ دوماً ترسُم خطوطَ البداية، و الشهادةُ ترسمُ الميلاد ..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.