منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

معتز مختار يكتب : *رحيل قطعة من القلب …*

0

معتز مختار يكتب :

*رحيل قطعة من القلب …*


فجر هذا اليوم، رحلت عن دنيانا خالتي أسماء العبيد بلال، تلك المرأة الفاضلة التي لم تكن مجرد مربية عظيمة، بل كانت روحًا تنبض بالحب والعطاء، وركنًا ثابتًا في ذاكرة المكان. كانت لها بصمة خالدة في التعليم، إذ أسست أول روضة في منطقة القوز، ولم يكن ذلك غريبًا عليها، فهي ابنة الرائد العبيد بلال أحمد فرح، الرجل الذي خط أول سطور التعليم في الخرطوم عامة، والقوز خاصة.

منزلنا الذي نقطنه اليوم لم يكن مجرد بيت، بل كان مدرسة، شهدت بدايات التعليم في المنطقة، ولا تزال تفاصيلها من فصول ومكاتب وفسحات الطابور تحمل روح ذلك الزمن الجميل، وكأنها تهمس لنا بحكايات الماضي وأحلام من مرّوا من هنا.

لكن خالتي أسماء لم تكن مجرد معلمة، بل كانت رمزًا للنضال، امرأة صنعت فرقًا، قادت دور المرأة السياسي بكل فخر من خلال موقعها في الحزب الاتحادي الديمقراطي، وحملت راية السودان في العديد من المحافل، بصوتها الدافئ الذي لم يعرف يومًا الصراخ، بل كان طاقة من الحنان والاحتواء.

أما مطبخها، فكان أكثر من مجرد مكان للطهي، كان ساحة كرم، وملاذًا للجميع. كنت أعود من المدرسة، لا أدخل على والدتي قبل أن أمر عليها، فتناديني بحب: “يا ولدي، تعال كل قبل ما أمك تشوفك، عشان ما تزعل مني.” كان مطبخها مفتوحًا للجميع، من بائع اللبن، إلى بائع الخضار، وحتى الجيران الذين يسألونها كل يوم: “طابخة شنو يا أسماء؟” وكان الجواب دائمًا مليئًا بالحب.

كان لها خال يعمل بعيدًا، يعيش في منطقة أبعد، ومع ذلك، لم يكن يتناول طعامه إلا من يديها، فكانت تنتظره بالغداء كل يوم، كأنها تحفظ له طعم البيت والدفء في كل لقمة. لم تكن مجرد طاهية بارعة، بل كانت امرأة تملأ الحياة حولها دفئًا وكرمًا، كانت أمًا لنا جميعًا، ولم تنادني يومًا باسمي، بل كانت تقول لي دائمًا: “يا ولدي”…

اليوم، غاب ذلك الصوت الحنون، لكن طيفها باقٍ، رائحتها ما زالت تعبق في زوايا المكان، وذكرياتها ستظل جزءًا منّا، من ضحكاتنا، ومن حنيننا لكل ما كان.

رحمك الله يا خالتي أسماء، وجعل مثواك الجنة، وأبقى بركتك في أبنائك وذريتك… إنا لله وإنا إليه راجعون.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.