منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

د. إسماعيل الحكيم يكتب:  *هُنَّ الحَرائرُ ..لا .. المُغتَصّبات …*

0

د. إسماعيل الحكيم يكتب:

*هُنَّ الحَرائرُ ..لا .. المُغتَصّبات …*


لم تكن الحرب يومًا عادلة، ولم يكن السلاح في يد المجرم إلا لعنةً تحلّ على الأبرياء ، تسلبهم الأمن والكرامة، وتنتهك ما لا يُنتهك من الحرمات. لكنَّ أبشع صور هذه الحروب وأشدها قسوة ، هي تلك التي تستهدف النساء، فتجعل من أجسادهن ميدانًا للإذلال، وأرواحهن وقودًا للوحشية التي لا تعرف إنسانية ولا شرفًا.
ففي السودان، حيث جراح الوطن تنزف قتلاً وسفكاً وإنتهاكاً و ترويعاً ، وقفت مليشيا الدعم السريع على رأس الفظائع ، تمارس أبشع الجرائم ضد العفّة والطهر، وتغتصب بناتنا تحت التهديد والقتل، لتتركهن ما بين صدمةٍ تمزّق القلب ، ووصمةٍ يحاول الجاهلون إلصاقها بهن ، رغم أنهن الضحايا ، لا الجناة!
لا يوجد أي سياقٍ يمكن أن يبرر ما حدث . فالاغتصاب ليس مجرد جريمة فردية، بل هو فعلٌ ممنهجٌ يُستخدم كأداة للحرب ووسيلة لكسر إرادة المجتمعات وتدميرها نفسيًا واجتماعيًا. فهؤلاء الفتيات لم يرتكبن ذنبًا، ولم يكنّ طرفًا في صراعٍ، بل كنّ فقط في المكان الخطأ ساعة أن أطلقت المليشيا الطلقة الأولى ، حين قرر المجرمون أن يجعلوا منهن هدفًا لوحشيتهم وبربريتهم غير المسبوقة في تاريخ الحروب والاقتتالات مذ أن خلق الله الخليقة وحتى يوم الناس هذا .
وأي مجتمعٍ يخذل هؤلاء الفتيات أو يتركهن يواجهن مصيرهن وحدهن، هو مجتمعٌ خان إنسانيته قبل أن يخونهن . لأنهن لسن من يجب أن يُدان، بل الذين اغتصبوا، وعذّبوا، وأرعبوا، هم من يجب أن يلاحقوا بالقصاص العادل، لا أن يُتركوا يعيثون في الأرض فسادًا.
وأرى أن أعظم خطيئة يرتكبها المجتمع بعد وقوع الجريمة ، هي أن يضيف إلى جراح الضحية جرحًا آخر ، حين ينظر إليها بعين الاتهام ، أو يعاملها وكأنها فقدت شيئًا من كرامتها. الكرامة لا تُسلب بالاغتصاب، بل تسلب حين يتخلى الناس عن الضحايا، وحين يُبرر المجرمون، أو يُطوى ملف الفاجعة تحت وطأة الصمت والتجاهل.
واجبنا اليوم هو أن نقف إلى جانبهن، لا أن نتركهنَّ فريسةً للخوف أو العار.لابد أن نأخذ بأيديهن نحو الشفاء النفسي قبل الجسدي، لا أن نُحملهن أوزارًا لم يرتكبنها . والواجب علينا جميعاً دون إستثناء أن نُعيد إليهن الثقة بالحياة والإمل بالمستقبل ، ونمنحهن كل أسباب القوة والثقة والثبات ، ولا أن ندعهن يذبلن تحت ثقل الماضي.
ومهما طال الزمن أو قصر ، ومهما حاول القتلة إخفاء جرائمهم ، فإن العدالة السماوية قبل عدالة الأرض ستجد طريقها إليهم .ولن يذهب هذا الدم المسفوك وهذه الأرواح المعذبة هباءً. فالتاريخ لا ينسى، والذاكرة لن تُغلق على هذا الألم دون ثأرٍ للكرامة، ودون محاسبة لكل من ارتكب، وشارك، وتواطأ في هذه الجرائم. ألم يقل ربنا في كتابه العزيز ( إنَّ اللهَ لا يَظلِمُ مِثْقَالَ ذَرة) .. ذرة ….
إن المليشيات التي اتخذت من اغتصاب الفتيات سلاحًا في الحرب، ستدفع ثمنًا باهظًا، عاجلًا أم آجلًا، فكما سقط الطغاة قبلهن، سيسقط هؤلاء ، وسيكون لكل دمعةٍ حساب ، ولكل صرخةٍ عدالةٌ تنتظر في الأفق .
ففي مثل هذه القضايا، لا حياد ولا وقوف في منصف الطريق . فإما أن تكون نصيرًا للضحايا ، أو شريكًا بالصمت والتجاهل. وأي مجتمعٍ يطمح لأن يكون له مستقبلٌ مشرقٌ، لا يمكنه أن يسمح لهذه الجرائم أن تُطوى دون موقفٍ واضح يناصر فيه الحق، ليحمي هؤلاء الضحايا، بل ويلاحق المجرمين حتى آخر رمق.
اليوم، نقف أمام محنةٍ إنسانية لا تقلّ عن محنة الوطن الجريح ، فمسؤوليتنا فيها أن نُعيد لهؤلاء الفتيات حقّهن في الحياة عيشاً كريماً ، وكرامتهن المهدورة غدراً وقهراً ، ولنجعل من مأساتهن منطلقًا لمجتمعٍ أكثر وعيًا، أكثر عدالة، وأكثر إصرارًا على ألا تمرّ مثل هذه الجرائم دون عقاب . والله المنتقم الجبار سبحانه ..

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.