منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

 د.إسماعيل الحكيم يكتب…  *التخطيط الاستراتيجي .. بوابة النهوض بسودان ما بعد الكرامة*

0

د.إسماعيل الحكيم يكتب…

*التخطيط الاستراتيجي .. بوابة النهوض بسودان ما بعد الكرامة*


إن قرار انتقال الحكومة الاتحادية إلى الخرطوم بعد سنوات من التشظي والاضطراب لا يُعد مجرد إعلان إداري فحسب ، بل يُمثل نقطة تحوّل مفصلية في تاريخ السودان الحديث. إنها لحظة فارقة تُلزمنا جميعًا بإعلاء صوت العقل والرؤية، والانخراط الفوري في تخطيط استراتيجي شامل، يكون بمثابة خارطة طريق لميلاد دولة قوية، عادلة، وآمنة.
فمرحلة ما بعد الكرامة لا تُدار بالشعارات أو الانفعالات، بل تُبنى بالخطط والمؤسسات، بالعلم والإرادة، وباستثمار روح النصر وتحويلها إلى مشروع وطني جامع. وكما قال ونستون تشرشل: “من يفشل في التخطيط، يخطط للفشل.”، فإننا إن لم نُخطط بحكمة، سنُضيّع أثمن فرصة لنهضة السودان بعد عقود من النزف.
وتشير التقديرات الأولية للأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في العاصمة الخرطوم وحدها إلى خسائر تُقدَّر بما يتجاوز 20 مليار دولار، تشمل قطاعات المياه والكهرباء، والطرق، والمستشفيات، والمدارس. وفي ظل هذه الأرقام الصادمة، يصبح التخطيط الاستراتيجي هو الحل الوحيد القادر على تحقيق التوازن بين الاحتياج والموارد، وبين الآني والمستقبلي.
لكن التخطيط وحده لا يكفي، بل لا بد أن يكون هنالك جهد متعدد في عدد من المستويات ليبدأ من الحكومة المركزية ويمتد إلى الولايات والمجتمعات المحلية. كما يشمل التعليم، الصحة، الأمن، الاقتصاد، والإعلام.ولابد من الاعتماد على البيانات فالقرارات تُبنى على معلومات دقيقة وإحصاءات محدثة، لا على الحدس والانطباع.
وقد أثبتت تجارب ما بعد الحروب في دول عدة (كرواندا، وكوريا الجنوبية، وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية) أن الإرادة السياسية المصحوبة بتخطيط استراتيجي دقيق هي القاطرة الحقيقية لأي نهوض. يقول الخبير التنموي “جيفري ساكس”: “لا توجد تنمية دون رؤية واضحة، ولا توجد رؤية دون تخطيط طويل المدى.”
إن الخرطوم اليوم، بعد أن تعود لتحتضن مقار الدولة، يجب أن تتحول إلى نموذج للحوكمة الرشيدة، وملتقى للخبرات السودانية في الداخل والخارج. ويجب أن تكون أول خطوة في التخطيط الوطني هي إطلاق “المجلس القومي للتخطيط لما بعد الحرب”، بمشاركة أكاديميين وخبراء واقتصاديين ومجتمع مدني، تحت إشراف سيادي مباشر، بعيدًا عن المحاصصات أو التأثيرات السياسية.
فليس أمامنا ترف الوقت، ولا رفاهية التجريب. المستقبل يبدأ الآن، والتاريخ لا ينتظر المترددين. إن السودان اليوم على مفترق طريق فإما أن يُكتب له المجد بصوت التخطيط والعقل، أو يُعاد اجترار الماضي بتكرار الأخطاء. فلنُحسن الخيار، ولنجعل من الكرامة انطلاقة لا محطة توقف.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.