حديث العقل عبدالبديع المكابرابي ✍️ دعوة الحكومة للرجوع بين التفاؤل والواقع المرّ
حديث العقل
عبدالبديع المكابرابي ✍️
دعوة الحكومة للرجوع
بين التفاؤل والواقع المرّ
في خطوة جريئة دعت الحكومة السودانية النازحين في الولايات والمواطنين المقيمين خارج البلاد إلى العودة إلى الخرطوم بغرض استعادة الحياة الطبيعية وتشغيل دولاب العمل كما كان بعد أن أعلن الجيش تطهير العاصمة من مليشيا الدعم السريع (الجنجويد)
هذه الدعوة وإن بدت منطقية في ظاهرها إلا أنها تفتقر إلى الإجابات الحقيقية عن سؤال جوهري: هل البيئة فعلاً مهيأة للعودة
إن الحديث عن عودة الحياة لا يعني فقط تأمين الشوارع من السلاح بل يشمل أدق تفاصيل الحياة اليومية التي بدونها تصبح العودة مغامرة محفوفة بالمخاطر خاصة في ظل وجود أسر بها أطفال ونساء وكبار سن ومرضى يحتاجون إلى رعاية صحية دائمة
فأين الكهرباء هل التيار الكهربائي مستقر؟ هل توجد تغذية ثابتة تشغل الثلاجات وتحافظ على الأدوية؟ هل ستنير الكهرباء ليل الخرطوم الطويل أم سيبقى الظلام سيد الموقف
أين المياه هل المياه الصالحة للشرب متوفرة بانتظام؟ وهل شبكات المياه صالحة أم ملوثة؟ وهل تفكر الحكومة في تعقيم الخزانات العامة والمصادر المشتركة التي ربما تلوثت بسبب الحرب
أين الغذاء هل الأسواق مفتوحة؟ هل توجد مواد غذائية كافية ومتنوعة؟ هل الأسعار في متناول يد المواطن المنهك؟ هل أعيد تشغيل الأفران والمخابز والمطاحن
ماذا عن البيئة الصحية هل المنازل التي تهدمت أو تعرضت للنهب والتخريب مهيأة لاستقبال الأسر؟ هل قامت الحكومة بحملات تعقيم شاملة للأحياء؟ أم أن مخلفات الحرب ما تزال شاهدة على الرعب والموت في كل زاوية
وماذا عن الصحة هل المستشفيات تعمل؟ هل يوجد بها أطباء وممرضون وأجهزة وأدوية؟ ماذا عن أصحاب الأمراض المزمنة؟ هل سيجد مريض السكري أو القلب أو الصرع دواءه بسهولة؟ وهل الصيدليات أعيد تشغيلها فعلياً أم أن الأرفف خاوية إلا من الغبار
العودة ليست فقط قراراً سياسياً بل مسؤولية أخلاقية وإنسانية
من حق الحكومة أن تحلم بعودة الحياة ولكن من حق المواطن أن يسأل: إلى ماذا سأعود؟
الخرطوم ليست فقط مباني وأسفلت بل بيئة يجب أن تكون آمنة وصحية ومستقرة كي تُحتضن فيها الحياة من جديد
نناشد الحكومة وبكل جرأة أن تصارح الشعب بالحقيقة الكاملة لا أن تكتفي بالبيانات الإعلامية
نطالب بخطة وطنية واضحة ومعلنة لإعادة الخدمات الأساسية وتعقيم الأحياء وترميم المستشفيات والمدارس وتشغيل المرافق الحيوية قبل التفكير في إعادة المواطنين
الخرطوم تنادي أبناءها نعم
لكن قبل ذلك يجب أن تُشفى من جراحها
وإلا فسيعود الناس ليواجهوا حرباً من نوع آخر
حرباً ضد البؤس والمرض…
نصر الله القوات المسلحة السودانية وحفظ الله السودان وأهله.