منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

محمد التجاني عمر قش يكتب : *أحيوا سنن البرامكة!*

0

محمد التجاني عمر قش يكتب :

*أحيوا سنن البرامكة!*

التراث السوداني مترع باقتباسات وآثار ذات دلالات عميقة من التراث العربي القديم منها على سبيل المثال لا الحصر قول الشاعرة وهي تمدح النعيم ود حمد:
يا الأحييت سنن البرامكة
عاجني طول ايده سامكه
النعيم يا فحل القبائلْ
كريم لمّام الهمايلْ
شيتا براك ما أظنو خايلْ
ايدو أم رويق والقِبلي شايلْ
وكما هو معلوم فإن البرامكة كانوا هم الفئة التي تدير شؤون الدولة في العهد العباسي، وبما أنهم كانوا يسيطرون على موارد الدولة المالية فقد أغدقوا على الرعية، مع تقتيرهم على الحكام، وتسربت أخبار البرامكة إلى التراث السوداني حيث يطلق على الرجل الكريم المضياف الذي ينفق ماله في إكرام الناس لفظ “برمكي” مثلما هو الحال في وصف النعيم ود حمد، الذي عرف بالكرم والانفاق بلا خوف من الفقر فصار مضرب المثل في هذا الصدد.
والكرم شيمة معروفة في الشعب السوداني وعندنا في شمال كردفان يضرب المثل في هذا المجال بحاج داني ود مدني فقد قيل إنه كان ينفق كل ما يملك حتى “عنز اللبن” ورأيته بأم عيني في سوق دميرة يسقي الناس عصير الحلو مر في النهار شديد الحر ويحلف على من يعرف ومن لا يعرف “ليضوق زاده”. ونسوق هذه الأمثلة لنذكر الناس بما حل بأهل السودان من نكبة وظروف قاسية أفقدتهم كل ما يملكون من مأوى ومال وأثاث وحتى أواني الطبخ وشرب الماء!
وما فائدة التراث إذا لم نتمثل به في واقعنا المعاش؟ وطالما أننا نتحدث هنا عن البرامكة يطوف بالذاكرة ما حدث لبغداد في أيام غزو التتار الذين دمروا كل شيء في عاصمة الخلافة حيث إنهم ألقوا الكتب والمخطوطات النفيسة والنادرة في نهر دجلة حتى تغير لون الماء. ولعل التاريخ يعيد نفسه فها هي الخرطوم وبعض مدن السودان الكبرى تتعرض لذات الفعل المستهجن بعدما شن تتار العصر من عربان الشتات أو المليشيا الباغية حربها على السودان فعبثت بكل ما وصلت إليه في المرافق العامة ومنازل الناس بقصد إفقار الشعب السوداني واتلاف ممتلكاته الخاصة وبنيته التحتية!
وبما أن بعض مناطق الوطن قد بدأت تستعيد عافيتها تدريجيا وبسط فيها الأمن وعادت إليها الخدمات جزئياً، بدأ كثير من الذين أجبرتهم الحرب على النزوح واللجوء يفكرون في العودة إلى الديار وهذا يتطلب توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة وعلى رأسها ترميم وتجهيز المنازل للسكن بما تيسر للناس؛ ولهذا السبب تذكرت ما فعل النعيم ود حمد في مجاعة 1306 هجرية التي تسبب فيها أسلاف الجنجويد في عهد المهدية بسوء تصرفهم وجلافتهم وإخفاقهم في تدبير الشأن العام مع إصرارهم على إفقار الناس وأخذ أموالهم بغير وجه حق! ولذلك جاءت هذا الدعوة لإحياء سنن البرامكة في التكافل والتعاون وإغاثة الملهوف وجبر الخواطر والضرر بما يتيسر لبعض الناس من أموال ومقدرات قد تزيد عن حاجتهم مع العلم أن الجميع قد تضرر بشكل كبير من الأفعال الهمجية التي مارستها عناصر المليشيا!
المهم في هذا المقام، والحال كما تعلمون، ينبغي علينا أن نتمثل تلك القيم والأخلاق النبيلة التي يزخر بها موروثنا الشعبي ويتغنى بها شعراؤنا ومنها إغاثة الملهوف والإعانة على نوائب الدهر ودفع “المنيحة” وإيواء الغريب ومساعدة الكل! ولهذا نود تذكير الناس بأن يجود كل بما بقي له من زاد وأواني وغطاء وكساء والمثل السوداني يقول “الفقرا تقاسموا النبقة”! وماذا لو أحيينا سنة “النفير” وهي اجتماع الناس لمساعدة أحد الأفراد في بعض شأنه الخاص مثل بناء وترميم المنازل ونظافتها وتهيئتها بشكل لائق؟ وهل من الممكن إنشاء صناديق بين أفراد الأسر وسكان الحي لمساعدة بعضهم البعض بما يتوفر لديهم من مبالغ ولو بسيطة؟ وإن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، وكما قال أحد المشايخ “السنة دي الجنة مجلوبة فهل من مشتري”؟ ورحم الله النعيم ود حمد وعمنا داني ود مدني وغيرهم ممن كانوا يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، فهم الذين يقتدى بهم.

٢٨ أبريل ٢٠٢٥

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.