منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

خارج النص يوسف عبدالمنان *حكومة التكليف*

0

خارج النص

يوسف عبدالمنان

*حكومة التكليف*

واحدة من أبرز أسباب ضعف أداء الحكومة الحالية وغياب المبادرات وتفاني الوزراء والولاة ومدراء المؤسسات الحكومية، هي حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها أجهزة الدولة. وهي حالة مقصودة في حد ذاتها، للحد من نفوذ الوزراء الذين أصبحوا في وضع أشبه بـ”الطائر”، لا يستقر في مكان.

ومنذ أن طرد البرهان حلفاءه السابقين من قوى الحرية والتغيير، تم إلغاء دور مجلس الوزراء كمؤسسة يُفترض أن تكون حاكمة. جاءت الحكومة برئيس وزراء “ضلول” لا يعدو أن يكون مجرد سكرتير يمرّر القرارات، ولا يصنع السياسات. وتباعدت المسافات بين الوزارات، ولم يعد مجلس الوزراء ينعقد لمناقشة تقارير الأداء في الدولة. ومع ذلك، تصدر باسمه قرارات فوقية غير مدروسة.

فهل الحرب تحول دون عقد جلسات راتبة لمجلس الوزراء؟ أم أن نشوب الحرب يُفترض أن يكون دافعًا لمضاعفة عدد تلك الجلسات؟

في حقبة حمدوك السوداء، كان هناك مجلس وزراء حقيقي ينعقد بصفة راتبة، رغم وجود مجلس وزراء “خفي” يشارك فيه فوكلر، المبعوث الأممي، وسفراء بريطانيا والإمارات والسعودية. كانوا هم من يقرر في القضايا المصيرية، ثم تمرر تلك القرارات ليلًا من مكتب حمدوك إلى مجلس الوزراء. ورغم ذلك، كان مجلس الوزراء شكليًا موجودًا في الدولة.

أما اليوم، فقد شهدت فترة رئيس الوزراء المكلّف عثمان حسين تغييبًا متعمدًا لدور مجلس الوزراء، الذي أضحى أعضاؤه – باستثناء وزراء الحركات المسلحة – جميعهم بالتكليف. وهي سابقة في تاريخ حكومات السودان: وزراء يمارسون سلطاتهم بالأصالة، وآخرون بالوكالة!

وفي الفترة الأخيرة، تم تعيين السفير دفع الله الحاج وزيرًا لشؤون مجلس الوزراء، وفي ذات الوقت مكلفًا بمهام رئيس الوزراء. فكيف يُعقل أن يقرر في قضية تتعلق بالمواصفات، أو بالحج والعمرة، أو بوزارة الخارجية، ثم يصدر أمرًا لوزير شؤون مجلس الوزراء… وهو نفسه؟!

وربما لهذا السبب لم يرضَ رجل دبلوماسي على قدر من المعرفة بالحكم وممارسة السلطة بأن يتحول إلى “أضحوكة” بين الوزراء. لكن التاريخ لا يظلم، وسيسجل ما ارتضاه دفع الله الحاج لنفسه من قبول بدور هامشي في حكومة يتحكم في تلابيبها أعضاء مجلس السيادة، الذين اقتسموا الوزارات بينهم كما يقتسم بخلاء خروفًا ذُبح في ليلة شتوية. فاستأثر البعض بـ”لحمة الفخذ”، وآخرون بـ”عظم الظهر”، وثالث بالرأس، وتركوا للبعض “العفشة” والكوارع. ومع ذلك، رضي هؤلاء بنصيبهم، لأن الفقير حين يظفر برأس الثور، يملأ بيته لحمًا، وتفرح زوجته، ويشم جيرانه رائحة الشواء… دون أن يكون لهم نصيب من لسان الثور أو لحمة ما تحت العين!

نحن نعيش في كنف مجلس وزراء هو الأضعف في تاريخ السودان. فلا عجب إذًا أن تتنامى فطريات الفساد، وتفرّخ الفوضى، ويتراخى الوزراء عن أداء مهامهم، بعدما تحولوا إلى مجرد سكرتارية للمشرفين الحقيقيين على الوزارات: أعضاء مجلس السيادة الذين نصبوا أنفسهم وزراء فوق الوزراء.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.