حديث الساعة / *كثيرون حول السلطة… قليلون حول الوطن* ✍️ عمار عبدالباسط عبدالرحمن
حديث الساعة /
*كثيرون حول السلطة… قليلون حول الوطن*
✍️ عمار عبدالباسط عبدالرحمن

في أزمنة التحولات الكبرى، يظهر معدن الرجال وتنكشف نوايا الطامعين. وبينما تمر بلادنا بمنعطف تاريخي حاد، يُفترض أن تتوحد فيه الجهود وتسمو فيه الهمم، نرى مشهداً مُرًّا تتزاحم فيه الأقدام على أبواب السلطة، لا على ساحات البناء أو ميادين الدفاع عن الوطن.
لقد بات جلياً أن هناك من يرى في السلطة غنيمة لا رسالة، وموقعًا للامتياز لا مسؤولية. يهرولون نحو الكراسي، يتسابقون على المناصب، يتناسون دماء الشهداء، وصرخات المظلومين، وأنين المدن التي أحرقها العدوان، وكأن الوطن في نظرهم مجرد محطة للعبور لا بيتًا للانتماء.
إن الذين يلتفون اليوم حول السلطة، يرفعون شعارات وطنية زائفة لتغطية عري أطماعهم، ويتناسون أن الأوطان لا تُبنى بالتصريحات، بل بالمواقف، ولا تحفظ بالصفقات، بل بالتضحيات. هؤلاء لا يؤرقهم أن تنهار مدينة أو تُهجر قرية، بقدر ما يقلقهم أن تفوتهم قسمة أو يغيب اسمهم من كشف التعيينات.
ولعل الأخطر من ذلك، هو محاولتهم مصادرة نضالات الآخرين، وتلبيس أنفسهم ثوب الشرف والنزاهة، بينما سجلاتهم ملوثة بالانتهازية والتلون، ومعاركهم كانت دومًا على الموائد لا في الخنادق. فهم لا يقتربون من الوطن إلا إذا اقترب من عرش، ولا يرفعون صوته إلا إذا كانت فيه مصلحة.
أين هم من الوطن حين نزف؟
أين هم حين سقطت القرى الواحدة تلو الأخرى؟
أين كانوا حين كانت الحاجة لقلم صادق، أو سلاح مقاوم، أو موقف شجاع؟
الوطن لا يحتاج إلى مزيد من الساسة، بل إلى مزيد من المخلصين. لا يريد من يعتلون المنصات ليصفقوا، بل من يقفون في الصفوف ليدافعوا. فالوطن ليس صفقة، ولا مائدة يتقاسمها الطامعون، بل هو ميراث الشهداء، وأمانة الأجيال القادمة.
إن أخطر ما يواجه الأوطان بعد التحرير ليس العدو الخارجي، بل الانتهازيون الذين يتسللون من بين ركام الدمار ليركبوا موجة النصر دون أن يكون لهم سهم في المعركة.
فلنضع حداً لهذا العبث.
ولنرفع الصوت عاليًا:
*نريد رجالاً حول الوطن… لا حول السلطة.*