خبر و تحليل عمار العركي *البلـد ما بتعمـر إلا بأهلها: الجريف غرب نموذجـاً للعـودة وبنـاء الخرطــوم”*
خبر و تحليل عمار العركي
*البلـد ما بتعمـر إلا بأهلها: الجريف غرب نموذجـاً للعـودة وبنـاء الخرطــوم”*
_____________________
▪️في قلب محنة الحرب، وعلى ضفاف النيل الأزرق، تنهض الجريف غرب كأنها تقول لبقية السودان: الخرطوم تنادي أبناءها… فعودوا، فبلادكم لا تعمر إلا بأيديكم. مشاهد الحياة تعود رويداً رويداً، ليس بإرادة الحكومة وحدها، بل بعزيمة المواطنين، وجهودهم الجماعية، وبإيمانهم بأن الخرطوم ليست مجرد مدينة، بل رمز للسيادة، وميدان لصمود الكرامة.
▪️زيارة والي الخرطوم للجريف غرب لم تكن مجرد زيارة تفقدية روتينية، بل حملت دلالات بالغة الأهمية، أهمها أن الخرطوم لم تسقط، وأنها تتعافى رغم الجراح. في تلك الزيارة، استمع الوالي للمواطنين الذين صمدوا رغم ويلات الحرب، ولم يغادروا، بل وشاركهم العائدون حديثاً همومهم، في لوحة جسدت التلاحم الأهلي والحكومي من أجل إعادة الخدمات وبناء حياة كريمة من جديد.
▪️إن العودة التدريجية للخدمات في الجريف غرب — من المياه إلى الكهرباء، ومن الصحة إلى التعليم، ومن الأمن إلى إعادة تشغيل المؤسسات — تؤكد أن الخرطوم قادرة على النهوض حين تتكاتف الأيادي. فالمبادرات الشعبية من أبناء الجريف في المهجر، والجهود الجبارة لهيئة تطوير وتنمية الجريف، تعكس وعياً عميقاً بأن الوطن لا يُنتظر إصلاحه من بعيد، بل يُبنى من الداخل، بعرق وسواعد أبنائه.
▪️ولعل قصة محطة مياه الجريف التي أعيد تأهيلها بتكلفة تجاوزت الـ190 مليون، والتي تكفلت بها الهيئة عبر جهود متواصلة وضغوط مباشرة على الجهات المعنية، تمثل درساً عميقاً في “الهندسة الوطنية” إن جاز التعبير — كيف يتحول الإيمان بالمسؤولية إلى مشروع إنقاذ جماعي، وكيف ينعكس النضال المدني في أبسط الخدمات: قطرة ماء في زمن العطش. إنها ليست فقط قصة ماء، بل قصة انتماء.
▪️أما الحدث الثالث — ندوة مستقبل التعليم العام في السودان لما بعد الحرب التي احتضنتها الجريف غرب — فهو يكشف عن انتقال الوعي المجتمعي من مرحلة الاحتياج إلى مرحلة التخطيط، ومن واقع الأزمة إلى أفق الإصلاح. فالحديث عن تطوير التعليم وربطه بالمتغيرات العالمية، وعن أهمية إعادة بناء العقل الوطني بالتوازي مع العمران، هو ترجمة فعلية لجوهر النهضة.
▪️في ظل هذه الملامح، يصبح السؤال الملّح: ما الذي يمنع بقية المواطنين من العودة والمساهمة في هذا التحول؟ فالخطر لا يكمن في الخراب، بل في الغياب، والخرطوم، بكل مآسيها، لا تزال أرض الفرص لمن يريد أن يكون جزءاً من المستقبل لا مجرد متفرج على الماضي.
▪️إن مدينة الجريف غرب اليوم تقدم درساً وطنياً في البناء من تحت الركام، درساً في أن الخرطوم لم تمت، بل تنتظر أبناءها ليبعثوا فيها الروح. والرسالة الأبلغ: ما من مدينة تنهض بالأمنيات، بل بالنوايا المقرونة بالأفعال.
▪️ختاماً، فإن معركة الخرطوم لم تكن فقط معركة بندقية، بل معركة إرادة. ومن يظن أن الخرطوم تُبنى بقرارات فوقية فقط، فليأتِ إلى الجريف غرب، ليرى كيف أن “البلد فعلاً ما بتعمر إلا بأهلها”.