منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*اقتصاد* / *القطاع المصرفي والتنمية الاقتصادية في السودان (تشخيص الواقع وبناء المستقبل* بقلم اد. حمد حسن الفادني

0

*اقتصاد* /

 

*القطاع المصرفي والتنمية الاقتصادية في السودان (تشخيص الواقع وبناء المستقبل*

بقلم اد. حمد حسن الفادني

 

خلال مسيرة المقالات الاقتصادية و التي حاولنا ان نتطرق لبعض الموضوعات و الملفات التي تؤرقنا ونري فيها حلول سهلة وسريعة و اخرى استراتيجية لرفعة الاقتصاد السوداني وفي تلك المسيرة لم نتحدث عن القطاع المصرفي السوداني وذلك لحساسيته المفرطه و الغموض الذي يكتنف هذا القطاع الهام و المؤثر جدا على كل ما يوراودنا، حيث يعد القطاع المصرفي أحد الأعمدة الرئيسية لأي اقتصاد وطني، إذ يلعب دورا حيويا في تعبئة الموارد وتوجيهها نحو القطاعات الإنتاجية والاستثمارية، وتحفيز النمو وتحقيق الاستقرار المالي.
وفي السودان، يتعرض القطاع المصرفي إلى تحديات معقدة، أبرزها الاضطرابات الأمنية الداخلية، والعزلة الخارجية، والتضخم، وانخفاض العملة الوطنية، وضعف الثقة بين المصارف والقطاع الخاص. هذه التحديات تعرقل مساهمة المصارف في التنمية المستدامة وإعادة الإعمار، لا سيما في ظل الحرب الممتدة منذ عام 2023 والتي عمقت هشاشة الاقتصاد الوطني.

#تشخيص دور القطاع المصرفي في السودان:
1. ضعف الدور التمويلي: حيث تبلغ نسبة التمويل المصرفي للقطاعات الإنتاجية (الزراعة، الصناعة، التصدير) أقل من 25% من إجمالي التمويل الممنوح، بينما يتركز التمويل في الأنشطة التجارية والاستهلاكية قصيرة الأجل، مع ضعف التنسيق بين البنوك والمشروعات التنموية الحكومية والخاصة، وسياسات تمويل متحفظة نتيجة مخاطر التشغيل وعدم الاستقرار السياسي والأمني.
2. العزلة عن النظام المصرفي العالمي: استمرار السودان في مواجهة قيود في الوصول للنظام المالي العالمي بعد عقود من العقوبات، رغم رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب عام 2020، وغياب الاعتمادات البنكية والمعاملات الدولية يحد من القدرة على استيراد الآلات ومدخلات الإنتاج والتصدير.
3. ضعف البنية التحتية المصرفية: لا تزال فروع البنوك قليلة الانتشار في الأقاليم والريف، مع غياب الرقمنة في أغلب المصارف، وضعف الشمول و الانتشار المالي، حيث لا يمتلك سوى 20% من السكان حسابات مصرفية نشطة.
4. تآكل الثقة في النظام المصرفي: وذلك نتيجة الأزمات المتكررة في السيولة وتجميد الحسابات خلال فترات الاطرابات ، ولجوء المواطنين إلى تخزين الأموال خارج النظام المصرفي وظهر ذلك جليا في مشروع تغيير العملة اخيرا.

#أثر المهددات الأمنية على النظام المصرفي:

1. التهديدات الداخلية: حيث توقف عمل المصارف في العاصمة وأغلب المدن الكبرى جراء الحرب.مع استهداف ممنهج لفروع البنوك ونهبها في اغلب المناطق، مما تسبب في خسائر مباشرة، وايضا صعوبة تقديم التمويل أو التحصيل أو تشغيل الأنظمة المصرفية بسبب تعطل الإنترنت وغياب الضمانات القانونية.

2. التهديدات الخارجية: حيث نجد هشاشة النظام المصرفي أمام التغيرات الإقليمية، كالعقوبات أو تقييد التحويلات من دول الجوار، جعلت مخاوف المستثمرين والمراسلين من التعامل مع النظام المصرفي السوداني بسبب تصنيفه كمخاطر عالية.

# رؤية استراتيجية للنهوض بالقطاع المصرفي:

1. على المدى القريب :
– حلول تقنية وتشغيلية عاجلة: وذلك من خلال إنشاء شبكة وطنية بديلة لتبادل البيانات المصرفية (بدون الاعتماد الكامل على الإنترنت العالمي)،ودعم خدمات التحويل عبر الهاتف (mobile banking) خاصة في المناطق المستقرة،مع فتح فروع مصرفية متنقلة في الولايات الآمنة لإعادة تنشيط التعاملات.
– استعادة الثقة: من خلال ضمان ودائع العملاء بالتعاون مع بنك السودان المركزي بتقديم حوافز للعملاء الذين يعيدون أموالهم إلى البنوك، مثل الإعفاء من بعض الرسوم.
2. على المدى المتوسط:
– إعادة هيكلة النظام المصرفي: من خلال دمج البنوك الصغيرة أو المتعثرة ضمن كيانات مصرفية أقوى وأكثر رسملة،و إصلاح السياسات النقدية لضمان استقرار سعر الصرف، ومحاربة التضخم.
– تحفيز التمويل الإنتاجي:بتخصيص محافظ تمويلية للمشروعات الزراعية والصناعية والصادرات،وتقديم ضمانات حكومية أو عبر صناديق دولية لتمويل القطاع الخاص في الولايات المتعافية.
– إعادة الارتباط بالنظام المصرفي العالمي: بتعزيز الشفافية المصرفية والامتثال لمعايير FATF، عبر توقيع اتفاقيات مع مصارف مراسلة إقليمية ودولية لتسهيل التحويلات.
3. على المدى البعيد:
– اقتصاد رقمي مصرفي شامل: عبر رقمنة العمليات المصرفية بالكامل وإنشاء نظام مدفوعات موحد، وتعزيز الابتكار المالي (FinTech) في تقديم الخدمات المصرفية في الريف والمدن.
– تمكين المصارف كمحرك للتنمية: من خلال تطوير نظام تمويل طويل الأجل للمشاريع القومية (الطرق – الطاقة- الزراعة – الصناعة)،بإنشاء بنوك تنموية متخصصة (بنك للتنمية الزراعية، بنك للصناعات التحويلية، بنك للتمويل التكنولوجي)،و تعزيز الشراكة بين القطاع المصرفي والحكومة والقطاع الخاص في مشروعات البنية التحتية.

# رؤية اقتصادية مقترحة للمصارف السودانية:
1. دعم القطاع الخاص: عبر منح تمويلات ميسّرة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة (SMEs)، وتطوير أدوات تمويل إسلامية تتناسب مع واقع السوق السوداني مثال( المرابحة، المضاربة، السلم، الاستصناع).
2. تمكين القطاع العام من التنمية: توفير التمويل لمشروعات الطاقة المتجددة، النقل، الري، الزراعة التعاقدية،بدخول البنوك في تحالفات مع الحكومة لتمويل المدن الصناعية ومشروعات إعادة الإعمار.
3. تبني سياسات تحفيزية واستقرارية: باعتماد سياسات مرنة في التمويل (أو هوامش الربح)، مع تقليل الضرائب على أرباح البنوك المشروطة بتوجيهها نحو التنمية، والعمل بسياسة نقدية توازن بين التحكم بالتضخم وتحفيز النمو.
ومن خلال ذلك نقول إن النهوض بالقطاع المصرفي في السودان لا يعد رفاهية، بل ضرورة لبناء مستقبل اقتصادي مزدهر، خاصة في ظل ما تواجهه البلاد من تحديات أمنية وتنموية. وبتبني سياسات واقعية تقوم على استعادة الثقة، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز الشراكة بين القطاع المصرفي والدولة والقطاع الخاص، يمكن تحويل المصارف إلى قاطرة حقيقية تدفع باتجاه التنمية المتوازنة، والانتقال بالسودان من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد الإنتاج والاستقرار.

(الحلقة التي تربط الاقتصاد هي القطاع المصرفي … فهبوا لنجدة وطنكم )

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.