خبر وتحليل – عمار العركي *نـيــــران عـلـــى تـخـوم الـسـودان : هل يشتعل القرن الإفريقي من جديد؟!* ( قراءة في التصعيد الإثيوبي – الإريتري وتداعياته على أمن الإقليم وحدود الخرطوم)
خبر وتحليل – عمار العركي
*نـيــــران عـلـــى تـخـوم الـسـودان : هل يشتعل القرن الإفريقي من جديد؟!*
( قراءة في التصعيد الإثيوبي – الإريتري وتداعياته على أمن الإقليم وحدود الخرطوم)
* بين انفجار الداخل الإثيوبي واستدارة البوصلة الإريترية، يقترب المشهد في القرن الإفريقي من مفترق طرق قد يعيد إشعال الجبهة الشرقية للسودان، ويقلب معادلات ما بعد حرب تيغراي رأساً على عقب. ما بين التهديدات المكتومة والحشود الصامتة، نقرأ هذا التصعيد بعيون سودانية وعين على الخرطوم…
*الخبر: نذرُ تصعيد بين أسمرا وأديس أبابا*
* شهدت الأيام القليلة الماضية ارتفاعاً لافتاً في منسوب التوتر والتصعيد الإعلامي والعسكري بين إريتريا وإثيوبيا، بعد سنوات من التحالف الوثيق الذي جمع الجانبين خلال حرب التيغراي. وقد بثت قنوات وصحف إثيوبية، في مقدمتها قناة ETV الرسمية، اتهامات مباشرة للجيش الإريتري بإثارة القلاقل في إقليم تيغراي الحدودي، بل واتهامه صراحة بارتكاب انتهاكات داخل الأراضي الإثيوبية.
* ترافق ذلك مع تصريحات نارية من قيادات سياسية إثيوبية مقربة من حكومة آبي أحمد، وصفت إريتريا بأنها “تشكل تهديداً أمنياً مباشراً للداخل الإثيوبي”، وحذرت من تحركات إريترية “مشبوهة” على طول الحدود المشتركة.
* من جهتها، لم تصدر الحكومة الإريترية حتى الآن بياناً رسمياً، واكتفت أوساطها السياسية المقربة بتسريبات إعلامية تشير إلى “خيانة إثيوبية” لاتفاقات وتفاهمات ما بعد الحرب، واتهمت أديس أبابا بمحاولة التنصل من التزاماتها تجاه إريتريا بعد انتهاء المعارك في تيغراي .
*هل نحن أمام حرب استباقية أم صراع مصالح؟*
* من الواضح أن مشهد اليوم ليس امتداداً مباشراً للحرب السابقة، بل يتشكل وفق خرائط مصالح جديدة ومعادلات قوة متغيرة. السؤال المركزي هنا: هل نحن بصدد حرب استباقية تحاول إثيوبيا بها تحييد إريتريا قبل أن تبادر بالهجوم؟ أم أننا أمام صراع مصالح بدأ بعد انتهاء المهمة المشتركة في تيغراي؟
*المعطيات الحالية تشير إلى التالي:*
1. تفكك التحالف الثلاثي (أديس – أسمرا – أمهرا) الذي خاض معاً حرب تيغراي، مع بروز توتر مكتوم بين أسمرا وآبي أحمد منذ توقيع اتفاق بريتوريا، الذي تجاهل إريتريا عمداً.
2. محاولات إثيوبية لإعادة تشكيل خارطة الداخل عبر ضرب القوى التي شاركت في الحرب، بما فيها إقليم الأمهرا نفسه، والجيش الإريتري الذي أصبح عبئاً أكثر منه حليفاً.
3. تقارب إريتري – تيغراوي (غير معلن)، وهو ما تنقله مصادر دبلوماسية استخباراتية غربية، في سياق رغبة أسمرا في استخدام الورقة التيغراوية للضغط على أديس أبابا، وهو ما تراه إثيوبيا تهديداً مباشراً.
4. مشاريع إثيوبية توسعية معلنة في ملف الموانئ الإريترية (عصب ومصوع)، وطلب الحصول على منفذ بحري “بالتراضي أو بغيره”، ما فُهم في أسمرا كإعلان مبكر لنوايا عدائية.
*السودان في قلب الخطر: ثلاث حدود مفتوحة وثلاثة سيناريوهات مقلقة*
* هذا التصعيد لا يمكن قراءته إلا من زاوية أمن السودان، الذي باتت حدوده الشرقية والشمالية الشرقية (مع إثيوبيا وإريتريا) على مقربة من جبهة قابلة للاشتعال في أي لحظة. ويتعزز القلق السوداني من خلال:
1. تزايد النشاط العسكري على الحدود الإريترية – الإثيوبية – السودانية، بما في ذلك حشود وتحركات غير اعتيادية في مناطق قلوج وحمرا وبادمي.
2. مخاوف من تسلل قوات إثيوبية أو إريترية عبر الحدود السودانية الهشة حال اندلاع مواجهات، خاصة في ظل انشغال الجيش السوداني بالحرب الجارية في الداخل.
3. احتمال لجوء أي طرف إلى استخدام الأراضي السودانية كعمق استراتيجي، أو كطريق إمداد وتموين أو حتى لإثارة بلبلة في خاصرة الطرف الآخر، كما حدث مراراً في العقود الماضية.
*دلالات التوقيت والمكان: لماذا الآن؟*
* التوقيت يأتي في لحظة ضعف إقليمي وانكفاء دولي، ما يجعل التصعيد ممكناً بلا تدخلات مانعة.
* التحولات في الداخل الإثيوبي تشير إلى ضغوط اقتصادية واحتقان سياسي واحتجاجات في الأقاليم، مما يدفع الحكومة الفيدرالية للبحث عن “عدو خارجي” لتوحيد الجبهة الداخلية.
* إريتريا تشعر بأنها خُدعت سياسياً بعد الحرب، وتُركت وحدها دون مكاسب واضحة رغم التضحيات الهائلة.
*خلاصة القول ومنتهاه:*
* *تحذير استراتيجي* : ما يجري بين إثيوبيا وإريتريا ليس مجرد “حرد سياسي عابر”، بل يملك كل مقومات الانفجار: تراكم مظالم، فقدان الثقة، حدود مشتعلة، مشاريع متضاربة، وتاريخ ملتهب.
* وبينما ينشغل السودان في معركته المصيرية ضد التمرد الداخلي، تبرز ضرورة عاجلة لقراءة المشهد الحدودي بعين أمنية وسياسية واستراتيجية، والعمل على الآتي:
1. رفع درجة التأهب في مناطق الحدود الشرقية والشمالية الشرقية، لا سيما في كسلا والقضارف وسنار.
2. تكثيف الاتصالات الإقليمية مع كل من إريتريا وإثيوبيا لاحتواء أي تداعيات قد تمس السودان مباشرة.
3. تنشيط دور الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في رصد التحركات والمهددات عبر الجوار الشرقي.
4. تجنيب السودان أن يكون “ساحة خلفية” أو “منطقة عبور” لأي صراع إريتري إثيوبي قادم.
* فالقرن الإفريقي، ومنه تخوم السودان، قابل للاشتعال من جديد… ومن لا يقرأ النيران قبل اندلاعها، قد يجد نفسه بين لهبها دون استعداد.