*الحرب في دار الريح … نظرة من الداخل! (3)* محمد التجاني عمر قش
*الحرب في دار الريح … نظرة من الداخل! (3)*
محمد التجاني عمر قش

بحكم موقعها الجغرافي الذي يخلو من أية عوائق من جبال أو أنهار تحول دون التحرك، باستثناء بعض الأودية الموسمية، وبعض المساحات الصحراوية، ظلت دار الريح معبرا لعدد من المتحركات العسكرية التي حاولت الوصول إلى العاصمة، ففي عهد مايو تحركت قوات الجبهة الوطنية، أو ما عرف حينها بقوات المرتزقة، من الحدود السودانية-الليبية، أو تحديدا من جبل عوينات، بقيادة العقيد محمد نور سعد حتى وصلت إلى تخوم العاصمة غرب أم درمان، وما كان ذلك ليحدث بدون تعاون خبراء من دار الريح وغيرها ممن لهم معرفة تامة بالطرق والدروب التي تمر بتلك المنطقة المترامية الأطراف. وعندما غامر دكتور خليل إبراهيم قائد حركة العدل والمساواة غزو أم درمان تحرك من داخل تشاد ومرورا بغرب دارفور وشمالها ثم دار الريح في طريقه إلى العاصمة! وفي جميع هذه الحالات كانت هنالك فئات من الناس على استعداد لمد يد العون لمن يريد المرور عبر دار الريح إلى وسط السودان.
تاريخيا استعان محمد الدفتردار، عندما قرر الخديوي غزو كردفان عام 1821 ميلادية، ببعض مكونات دار الريح فجهزوا له الجمال لحمل المؤن والمدافع والذخائر والجنود، وزودوه بالرجال الذين ارشدوه إلى أماكن المياه الواقعة على طول الطريق من دنقلا حتى الحرازة ومنها إلى كجمر وصولا إلى بارا حيث وقعت معركة ضارية فقدت فيها كردفان حوالي 8000 فارس بقيادة المقدوم مسلم حاكم كردفان من قبل سلطنة الفور التي كانت تحكم المنطقة.
وعام 1898 ميلادية، عندما قرر الإنجليز القضاء على الدولة المهدية بقيادة كتشنر، كان هنالك أناس على استعداد للتعاون مع الغزاة ضد بني وطنهم فزعزعوا الأمن على ضفة النيل الغربية، وعملوا قبل ذلك على المشاركة في تهريب سلاطين باشا من أمدرمان فنقل معلومات غاية في الأهمية والسرية عن وضع حكومة الخليفة عبد الله التعايشي إلى المخابرات الإنجليزية مما ساعدها في غزو السودان لاحقاً. وكل هذه المعلومات متاحة في المراجع التاريخية الموثوقة عن مختلف الحقب في السودان.
ويتضح أن بعض المكونات الاجتماعية لديها استعداد فطري للتآمر مع كل من يدفع حتى ولو كان ذلك على حساب أمن الوطن وسلامة مواطنيه ووحدة أراضيه! وبكل تأكيد فإن هذه المعلومات لا تغيب عن ذاكرة المخابرات الأجنبية التي تتولى أمر الجنجويد وتسعى لتمكينهم من السيطرة على السودان من أجل تمرير أجندة خبيثة من شأنها أن تفكك القطر السوداني وتقسمه إلى دويلات لا حول لها ولا قوة؛ ولذلك تواصلت مع بعض زعامات دار الريح الذين قاموا بمهمة العمالة بأرخص ثمن. وقد وجد منهم حميدتي الاستعداد التام للتعاون معه مقابل المال وسيارات الدفع الرباعي ففتحوا له المنطقة دون مبالات بالعواقب. هذه الحلقات تسلط الضوء على هذه المظاهر السالبة!
22/7/2025
