*الحرب في دار الريح … نظرة من الداخل! (5)* محمد التجاني عمر قش
*الحرب في دار الريح … نظرة من الداخل! (5)*
محمد التجاني عمر قش
تناولت الحلقات السابقة مواقف بعض الأشخاص والجماعات من الحرب! فما هي الأسباب التي أدت إلى تلك المواقف، التي الحقت أضرارا بالغة السوء بدار الريح وطال ذلك الضرر حتى الذين تعاونوا مع المليشيا إذ فقد بعضهم أرواحهم ومتمالكتهم!
إن بعد دار الريح من مراكز السلطة قد جعلها عرضة لتمدد نفوذ الدعم السريع بمعاونة بعض الأشخاص، سيما وأن طبيعة المنطقة وطريقة العيش فيها تجعل من السهل إغراء الناس، من الذين لا يقدرون خطورة تصرفاتهم، علما بأن معظم سكان هذه الدار من الرعاة الرحل الذين يجوبون الفيافي مع إبلهم وأغنامهم بحثا عن الماء والكلأ؛ ولذلك يضعف عندهم الانتماء للوطن، مع ضعف الوازع الديني والاجتماعي. ويضاف إلى ذلك عدم وجود قوات عسكرية أو أمنية، ما عدا بعض مراكز الشرطة، ضعيفة التأهيل، ولهذا لم تكن هنالك رقابة على تحركات العناصر المشبوهة عبر الحدود أو حتى من داخل البلاد. ومما زاد الأمر سوءا الحدود المفتوحة والقبائل المشتركة، واتساع رقعة الأرض مما يجعل من الصعب مراقبتها.
بعد دخول قوات الجبهة الوطنية من ليبيا عام 1976، كلف الرئيس نميري العميد آنذاك عبد الرحمن سوار الدهب، رحمهما الله، بتمشيط المنطقة الممتدة من المرخيات غرب أم درمان حتى العوينات، على الحدود الليبية، ولكن لم تقام قواعد عسكرية في دار الريح إثر ذلك التحرك، سوى قوات رمزية في بعض المدن الصغيرة، وكانت هذه عاجزة عن القيام بأي دور يذكر في حفظ الأمن وبسط هيبة الدولة. وبعد عملية الذراع الطويل التي قادها الدكتور خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة تجاه العاصمة، تحركت قوات من جهاز الأمن والمخابرات العامة لتمشيط بعض أجزاء دار الريح، ولكنها لم تترك أية قوات فعلية بعد إتمام مهمتها. وباختصار يمكن القول إن الدولة قد تركت الحبل على الغارب للمغامرين الذين يسعون لأي شكل من الكسب، حتى لو كان ذلك عبر التعاون مع التمرد.
وفيما يلي السلطات الولائية سواء المدنية أو العسكرية لم يكن لها أثر يذكر من أجل الحيلولة دون تعامل مكونات دار الريح مع الدعم السريع خاصة بعد عام 2019 وهيمنة قائد الدعم السريع على مفاصل كثير من المواقع المهمة في الدولة مع سعيه الدؤوب لكسب تأييد زعماء القبائل في مختلف أنحاء السودان، ولم تكن دار الريح استثناء حيث أقام كبير المتمردين علاقات مالية موثقة مع عدد من زعماء المنطقة ورجالاتها، وبذلك هيئ لنفسه إمكانية اللجوء إلى هؤلاء حينما قرر التمرد والعمل العسكري ضد الدولة، فصارت دار الريح ممراً واسعاً لقواته وما يتلقى من دعم لوجستي وعسكري كما وردت الإشارة سابقا عبر الجو من دول الجوار، ومن ثم النقل برا إلى العاصمة وغيرها، وعلى عينك يا تاجر.
24/7/2025