خبروتحليل عمّـار العركــي *إلــغــــاء اجــتمـــاع الربــــاعيـــة : فشــل مــزدوج ، ومــوت سريــري*
خبروتحليل عمّـار العركــي
*إلــغــــاء اجــتمـــاع الربــــاعيـــة : فشــل مــزدوج ، ومــوت سريــري*
______________________
* (١) من جديد، تسقط حسابات الخارج أمام إرادة الداخل السوداني. فقد تأكد رسميًا إلغاء اجتماع الرباعية الذي كان مقررًا في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 29 يوليو الجاري، في خطوة لم تكن مفاجئة لمن تابع مسار التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن السوداني، خاصة من قبل الرباعية التي تضم (الولايات المتحدة، الإمارات، بريطانيا، والسعودية)، مع حديث متزايد عن محاولة ضم مصر في وقت متأخر.
* (٢).أراد منظّرو الرباعية أن يتحول اجتماع واشنطن إلى منصة جديدة لفرض “تسوية ناعمة” تعوّض فشلهم في “الحل الخشن” عبر أدوات الدعم العسكري للميليشيات ، لكنهم فوجئوا برفض سوداني رسمي وشعبي واسع النطاق، كشف أن الحلول المستوردة لم تعد قادرة على العبور نحو الداخل.
* (٣) جاء إلغاء الاجتماع ليكشف حجم التخبط والعجز داخل هذا المعسكر الإقليمي والدولي، الذي حاول عبر بوابة الرباعية أن يُشرعن ما عجز عنه عسكريًا، من خلال ترتيبات سياسية تُقصي الحكومة الشرعية وتُضفي الشرعية على الميليشيات. لكن الانقسام داخل الرباعية، ورفض السودان القاطع لهذه المقاربة، ساهما في إفشال اللقاء حتى قبل أن يُعقد.
* (٤) كما أن محاولة إدخال مصر في اللحظات الأخيرة لتجميل المشهد وشرعنة التوجهات الخارجية لم تُفلح، بعد أن أدركت القاهرة – من موقعها ومسؤوليتها الإقليمية – أن ما يُطرح لا يخدم أمنها القومي ولا وحدة السودان، بل يُورطها في مشروع خارجي لا يراعي توازنات المنطقة ولا مصالح الشعوب.
* (٥) الأهم من ذلك أن وحدة الجبهة الداخلية، وتمترسها خلف رفض مطلق لهذه التسوية الرباعية المفروضة، شكّلت جدار الصد الحقيقي في مواجهة هذه المخططات. كما لعب صمود مدينة الفاشر، وإفشال كل محاولات الميليشيا لتغيير الوقائع الميدانية دعمًا لموقف الرباعية، دورًا حاسمًا في تقويض المشروع.
* (٦) وتزامن هذا الفشل الميداني والسياسي مع النكسة التي صاحبت إعلان ما سمّي بـ”حكومة الميليشيا”، والتي وُوجهت برفض شعبي وعزلة دولية واضحة، مما أضعف موقف داعمي الرباعية، وعرّى المشروع أمام العالم كمسعى غير مشروع لتقسيم السودان وتقويض شرعيته.
* (٧) وبذلك، لا يمكن التعامل مع إلغاء الاجتماع بوصفه مجرد قرار إداري روتيني، بل هو إعلان فعلي عن فشل المشروع الرباعي، وإشارة واضحة إلى موتٍ سياسي لمبادرة لم تحترم سيادة السودان ولا إرادة شعبه. إنه ببساطة إعلان نعي رسمي لما تُسمى بالرباعية، أو على الأقل لصيغتها الحالية التي فقدت مشروعية الاستمرار.
* (٨) أما الولايات المتحدة، التي سعت إلى أن تكون راعية للحل السياسي بعد فشل أدوات الحرب، فقد وجدت نفسها أمام رباعية منقسمة، وشركاء مترددين، وبيئة سودانية سياسية وإعلامية رافضة، مما حرمها من أي منصة فعالة للتأثير أو الوساطة.
* (٩) إن ما حدث يؤكد أن قوة السودان في وحدته الداخلية، وفي وضوح بوصلته السياسية، وأن استجداء الخارج أو الخضوع لمساوماته لم ولن يكون سبيلًا للسلام أو الاستقرار.
*خلاصة القول ومنتهاه:*
* إن سقوط “اجتماع واشنطن” لا يجب قراءته كحادثة منفصلة، بل كتتويج لمسار من الإخفاقات السياسية والعسكرية لمشروع رباعي خُطط له في غرف مغلقة، ورفضه الشارع السوداني بوضوح ووعي. المستقبل الآن مفتوح أمام قوى الداخل لإعادة صياغة الحل السوداني الحقيقي، بعيدًا عن الوصاية، وبمنأى عن أي خارطة تُرسم خارج حدود السودان.