*”منزل الوزير بـ140 مليون: حين يتحول ملف الأوقاف إلى قنبلة فساد تهدد حكومة الأمل”* الهادي قرن
*”منزل الوزير بـ140 مليون: حين يتحول ملف الأوقاف إلى قنبلة فساد تهدد حكومة الأمل”*
الهادي قرن
في مشهد يعكس حجم التناقضات التي تعيشها البلاد، تفجرت فضيحة مدوية هزت أركان وزارة الشؤون الدينية والأوقاف السودانية، بعد أن كشفت الصحفية رشان أوشي عن استئجار وزير الشؤون الدينية والأوقاف، ، لمنزل بقيمة 140 مليون جنيه سوداني. هذا الرقم الفلكي، الذي يكفي لشراء منزلين في بعض الولايات، أثار موجة غضب عارمة في الأوساط الشعبية والإعلامية، وفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات خطيرة حول طبيعة الإنفاق الحكومي، وملف الفساد الذي بات ينهش مؤسسات الدولة بلا هوادة.
يا تري هل هذا منزل الوزير أم قصر السلطان؟
بحسب ما ورد في منشور الزميلة أوشي، فإن الوزير استأجر منزلاً بمبلغ 140 مليون جنيه، في وقت يعاني فيه المواطن السوداني من أزمة سكن خانقة، وارتفاع جنوني في أسعار الإيجارات والعقارات. هذا الرقم لا يعكس فقط غياب الحس بالمسؤولية، بل يكشف عن خلل بنيوي في منظومة اتخاذ القرار داخل الحكومة، التي يفترض أنها جاءت تحت شعار “الأمل”، لكنها باتت اليوم بلا أمل، كما وصفها كثيرون.
في بلد يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر، ويكابد فيه الأئمة والمؤذنون لتأمين قوت يومهم، يصبح من غير المقبول أن تُصرف مثل هذه المبالغ الطائلة على سكن وزير، مهما كانت مبرراته. فهل نحن أمام حالة من الترف السياسي؟ أم أن الأمر أعمق من ذلك، ويتعلق بشبكة فساد ممنهجة داخل الوزارة؟
و هنا سؤال يبرز بقوة وزارة الشؤون الدينية: منبر للوعظ أم منصة للفساد؟
لطالما كانت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في السودان رمزًا للزهد والتقوى، ومظلة للمساجد والدعاة، وواجهة للدولة في تنظيم شعائر الحج والعمرة. لكن ما يحدث اليوم يضع هذه الصورة في مهب الريح، ويطرح تساؤلات جوهرية حول من يدير هذه الوزارة، وكيف تُدار مواردها.
الملف لا يقف عند حدود استئجار منزل الوزير، بل يتعداه إلى تعيينات مشبوهة، وتضخم في ميزانيات الفعاليات الدينية، ، وندعو إلى فتح تحقيق عاجل وشفاف، لا سيما أن بعض التقارير تشير إلى تورط الوزير في تعيين أقارب له داخل الوزارة، في مخالفة صريحة لمعايير النزاهة والشفافية.
“أدركوا ملف الأوقاف قبل أن تقع الكارثة”
المنشور الذي كتبته الزميلة أوشي لم يكن مجرد خبر، بل كان بمثابة صرخة شعبية مدوية، عبّرت عن حالة الغضب والإحباط التي يعيشها المواطن السوداني. فقد جف مداد الأقلام، وبحت أصوات الصحفيين والمراقبين، وهم ينادون بضرورة إصلاح ملف الأوقاف، الذي بات ترنداً في وسائل التواصل الاجتماعي، وقضية رأي عام بامتياز.
الناس يتساءلون: لماذا تصمت الحكومة عن هذا الملف؟ ولماذا لم تتحرك حتى الآن لفتح تحقيق شامل؟ وهل باتت حكومة الأمل عاجزة عن مواجهة الفساد داخل مؤسساتها؟ هذه الأسئلة لا يمكن تجاهلها، خاصة أن استمرار هذا الصمت قد يؤدي إلى كارثة لا تُحمد عقباها، ويزيد من حالة الاحتقان الشعبي، ويقوّض ما تبقى من ثقة بين المواطن والدولة.
ثم ماذا بعد؟ في تقديري هنالك خطوات مطلوبة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه
في ظل هذا الوضع المتأزم، لا بد من اتخاذ خطوات عاجلة وحاسمة، تبدأ بـ:
– فتح تحقيق مستقل وشفاف في كل ما ورد من اتهامات، سواء ما يتعلق بسكن الوزير أو التعيينات أو ميزانيات الفعاليات.
– إعادة هيكلة وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، وتعيين شخصيات مشهود لها بالنزاهة والكفاءة.
– تفعيل دور الإعلام والمجتمع المدني في مراقبة الأداء الحكومي، وضمان وصول المعلومات للرأي العام.
– إصدار تقرير دوري عن الإنفاق الحكومي في الوزارات الخدمية، وعلى رأسها الأوقاف، لضمان الشفافية والمحاسبة.
في النهاية، تبقى قضية منزل الوزير بـ140 مليون مجرد عنوان لمرحلة جديدة من الوعي الشعبي، الذي لم يعد يقبل التبريرات، ولا يرضى بالصمت. إنها لحظة فارقة، إما أن تستجيب فيها الحكومة لصوت الناس، أو أن تواجه موجة غضب قد تعصف بما تبقى من شرعيتها.