منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*الإعلام .. الفريضة الغائبة .. وتحية للصحفيين الأحرار ( ١ )* بقلم السفير / رشاد فراج الطيب

0

*الإعلام .. الفريضة الغائبة .. وتحية للصحفيين الأحرار
( ١ )*

بقلم السفير / رشاد فراج الطيب


منذ اندلاع الحرب على السودان ، ظلّ الإعلام الرسمي غائبًا لعام كامل عن أداء دوره في توضيح حقيقة ما يجري في البلاد ، وعن تقديم سردية وطنية منطقية تعبّر عن موقف الدولة وتكشف للعالم طبيعة العدوان ومصادره وأهدافه ، ونقصد بالإعلام هو حركة الدولة الاعلامية الرسمية برسالتها و بادواتها السياسية والدبلوماسية في مخاطبة الداخل والخارج .
هذا الغياب ، الذي امتد لأكثر من عام ، خلق فراغًا خطيرًا في الوعي المحلي والدولي ، وأتاح المجال واسعًا أمام حملات التضليل والدعاية الموجهة التي رسمت صورة مغايرة للواقع وأربكت الرأي العام الإقليمي والدولي .

بدأت شرارة الحرب بتمرد وانشقاق قوات الدعم السريع عن الجيش السوداني ، بتحريض سياسي من قوى طامعة في السلطة فقدت نفوذها ، فراهنت على بندقية حمدان دقلو لتحقيق مكاسب سريعة فتحالفت معه في الاستيلاء علي السلطة والحكم . ومع تصاعد الأحداث ، تحركت أطراف خارجية بدوافع أطماع استراتيجية واقتصادية ، فوجدت في التمرد وجماعته السياسية أداة يمكن توظيفها لبسط نفوذها على السودان وموارده الهائلة بأراضيه الخصبة ، ومياهه الوفيرة ، ومعادنه الغنية وذهبه البراق ، ونفطه وموانئه المطلة على البحر الأحمر الذي تتزايد أهميته الجيوسياسية يومًا بعد يوم في ظل الصراعات الاقليمية والدولية علي النفوذ .

لكن غياب إعلام الدولة الرسمي عن المشهد جعل العالم يرى الحرب في السودان من خلال عدسات مشوهة ، فبدت له كصراع بين “جنرالين يتنازعان على السلطة” ، لا كعدوان مبيت يستهدف الدولة السودانية ووحدتها الوطنية ومواردها . وبهذه الرواية الزائفة ، صدر الخطاب الدولي محمّلاً بالمناشدات للطرفين لوقف القتال والجلوس للتفاوض والعودة الي المسار الانتقالي والديمقراطي ! دون تمييز بين الدولة ذات الشرعية وبين المتمردين عليها الذين رفعوا السلاح في وجهها واستعانوا بالخارج ودون اعتبار لطبيعة التمرد واهدافه وما اعلنه من شعارات عرف بها نفسه ومشروعه .

لقد نجحت حركة التمرد ، بمساعدة حلفائها السياسيين وبعض المنابر الإعلامية الإقليمية ، في الترويج لسردية مضللة تزعم أن الحرب تدور حول “الانتقال الديمقراطي” ، وأن الجيش يقف عائقًا أمام الديمقراطية . وتحت هذا الغطاء ، تسلل خطاب يبرر التمرد ويغلفه بشعارات الحرية والعدالة الزائفة تماهيا مع ماجري وسمي بثورة ديسمبر علي نظام الانقاذ الذي تم اسقاطه وصوروا كل مايحدث وكانه عودة الي منصة الثورة ودعم شعاراتها في الحرية والسلام والعدالة ، بينما كان في جوهره مشروعا عنصريا وقبليا مقيتا لاسرة صغيرة هي أسرة وآل حمدان دقلو !
وهم يدعون صراحة إلى إلغاء دولة الاستقلال (1956) وتفكيك مؤسساتها ، بل والتحريض على الإبادة والتصفية ضد مجموعات قبلية بعينها من مكونات الشعب السوداني بدعوي انها احتكرت الحكم طيلة ما بعد الاستقلال .

الأخطر من ذلك أن بعض الدول استغلت هذا الخطاب لتزج باجندتها في الحرب في سياق ما يسمى بـ”محاربة الإسلام السياسي” ، فصُوِّرت الجيش السوداني كحليف لما وُصف بـ”الخطر الإسلامي” ، لتُشرعن بذلك تدخلاتها السافرة في شؤون السودان وتحطيم جيشه الوطني العتيد ، من خلال دعمها السخي للتمرد تمويلًا وتسليحًا وتسويقًا إعلاميًا .

وسط هذا الخلط والتشويه ، تراجعت الرواية الوطنية ، ولم تجد من يحملها للعالم سوى نخبة من الكُتاب والصحفيين الوطنيين والمنصات الشعبية في وسائل التواصل الاجتماعي ، الذين تصدّوا بمجهوداتهم الفردية لمهمة الدفاع عن الحقيقة ومواجهة سيل الأكاذيب المنظم . هؤلاء ملأوا فراغ الدولة بجهودهم المخلصة المحدودة ، وواجهوا في المنابر والفضائيات أبواق التمرد والداعمين له ، فكانوا صوت السودان الحر في زمن الارتباك والخذلان الإعلامي فاستحقوا التحية والتقدير .

غير أن هذه الجهود ، على أهميتها ، لا يمكن أن تعوّض غياب الدور الرسمي لاعلام الدولة بمفهومه الشامل وحركته وادواته ونطاقه .
فالإعلام ، في زمن الحروب ، ليس ترفًا ولا مكمّلاً ، بل هو جزء أصيل من منظومة الدفاع الوطني والامن القومي للدولة .
إن الحرب لا تُخاض بالسلاح وحده ، بل بالكلمة والمعلومة والصورة والرسالة الواعية والحملات الاعلامية والدبلوماسية النشطة التي تشرح الموقف وتبني الثقة وتكسب العقول والقلوب .

لقد كشفت الحرب بوضوح أن الأداء الإعلامي الرسمي هو الحلقة الأضعف في جبهة المواجهة الوطنية . وما لم تُدرك الدولة هذه الحقيقة ، وتتحرك لبناء منظومة إعلامية فعّالة تمتلك أدوات العصر وتخاطب الداخل والخارج بخطاب متماسك ومؤثر ، فستظل الساحة مفتوحة أمام الآخرين لتشويه الحقائق واحتلال الوعي .
ومن المهم أيضا أن تتعامل الدولة بحزم مع المنصات الاعلامية التي تتبني الروايات المزيفة وتعمل علي خلط الأوراق وتغبيش الحقائق والتي تعمل من خلال اذرعها ومراسليها من داخل السودان وبترخيص من السلطات الاعلامية دون حسيب او رقيب !
فضلا عن التغاضي عن قنوات رسمية مملوكه لدول عربية
تتبني سياسات تحريرية ضارة بأمن السودان وسيادته الوطنية كونها تتيح لعناصر المليشيا من الجرمين والقتلة ساعات طويلة في منابرها لبث الأكاذيب والدعاية ضد جيش البلاد الذي يقوم بواجبه الدستوري ، وجب علي الحكومة السودانية الاحتجاج لدي حكومات الدول التي تملكها.

إن المعركة على السودان لم تكن فقط على الأرض والموارد ، بل على الإنسان في المقام الأول وعلي الذاكرة والوعي والانتماء . والإعلام هو خط الدفاع الأول في هذه الحرب المركبة والغاشمة .
لذلك ، فإن إحياء الفريضة الغائبة ، فريضة الإعلام الوطني المهني والفاعل أصبحت اليوم ضرورة لا تقل أهمية عن أي بندقية على الجبهة ، إن لم تكن سلاحها الموازي والحاسم وحارسها الأمين .

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.