*_بني شنقول… الممر السري: كيف نقلت إثيوبيا الدعم الإماراتي إلى داخل السودان_ ؟* خبر و تحليل – عمار العركي
*_بني شنقول… الممر السري: كيف نقلت إثيوبيا الدعم الإماراتي إلى داخل السودان_ ؟*
خبر و تحليل – عمار العركي

الإمارات تدشّن أول معسكراتها في “محلية أوندلو” داخل إقليم بني شنقول الاثذوبي
قِشن الحدودية شاهدة على أربع رحلات جوية إثيوبية تحمل المسيّرات والذخائر نحو يابوس السودانية
من يابوس – بليلة انطلقت المسيّرات التي ضربت الدمازين والكرمك
تبدأ القصة من أصوصا، عاصمة إقليم بني شنقول–قمز، المدينة التي تحوّلت بصمت إلى ممر لوجستي يمرّر شحنات عسكرية قادمة من الإمارات. أصوصا ، عقدة طرق تربط الإقليم بالحدود السودانية عبر شبكة من القرى الريفية التي تغيب فيها الدولة الإثيوبية ويضعف فيها الوجود الأمني الرسمي، وهو ما جعلها مسرحًا مثاليًا لعبور ما لا تريد أديس أبابا أن يظهر على خطوطها النظامية.
مصدرنا الصحفي الاستقصائي الذي يتحرك داخل الإقليم منذ أشهر يروي مشاهداته اليـوميـة : شاحنات ثقيلة تصل تحت حراسة غير اعتيادية، معدات تُفرغ ليلاً في ساحات محظورة على المدنيين، وسيارات مظللة تقل عناصر “غير إثيوبيين” يُرجّح أنهم ضمن الفريق اللوجستي الإماراتي.
من أصوصا تنطلق الشحنات في خط إمداد ثابت يمر عبر سلسلة من القرى شديدة العزلة . تبدأ الرحلة من “أبورامو” قرية صغيرة تُستخدم غالبًا كنقطة عبور وسطى بين أصوصا والحدود السودانية، ثم تتجه شرقًا نحو ‘شرقولي”، المنطقة الريفية المحاطة بالغابات الكثيفة ، حيث الطرق الترابية الضيقة التي لا تشهد حركة رسمية. ومن هناك إلى “أهفندو”، وهي منطقة أكثر هدوءًا وأقل ظهورًا في السجلات الرسمية، ما يجعلها ممرًا مثاليًا لأي نشاط لوجستي غير معلن. وفي النهاية تصل الشحنات إلى “قِشن”، القرية التي تعد آخر نقطة إثيوبية قبل الحدود، وتتميز بتضاريس وعرة تُستخدم منذ سنوات في تنقل المجتمعات الحدودية، الأمر الذي يتيح عبور الشحنات دون إثارة الانتباه ، في هذه القرى، شاهد المصدر بأم عينيه مرور شحنات تحمل طائرات مسيّرة، وصناديق إلكترونيات محمية، وعتادًا ليليًا متقدمًا. ويقول “ ان هذه التجهيزات ليست تجارية ولا إنسانية… إنها معدات عمليات عسكرية ”،
لكن أخطر ما كشفه الإستقصاء، لم يكن ما يجري على الأرض، بل ما يُنقل عبر الجو. ففي المشاهدات التي وثّقها المصدر من موقع عالٍ في محيط قشن رأى أربع رحلات جوية تنفذها طائرات إثيوبية مباشرة نحو منطقة “يابوس” السودانية ، المدينة الجبلية التي تعد مقرًا تقليديًا للحركة الشعبية قيادة “جوزيف تكا”. تلك الرحلات كانت — بحسب مشاهداته — تحمل المسيّرات والذخائر ومعدات المراقبة، وتسلمها لمليشيا الدعم السريع والمجموعات المسلحة المتحالفة معها. ويقول المصدر “إثيوبيا لا تموّل… بل تنقل”، مؤكّدًا أن ما يجري ليس مجرد تسهيل، بل دور مباشر في تمرير الدعم الإماراتي.
المسيّرات التي ضربت الدمازين والكرمك انتطلقت من “يابوس” نفسها ، “مكلف” وهي منطقة حدودية وعرة تُستخدم لعبور المقاتلين، و “بليلة”، وهي نقطة مكشوفة نسبيًا تُعتبر أقرب منصة هجومية باتجاه مدن النيل الأزرق. وهذه النقاط الثلاث تتطابق جغرافيًا مع خط الإمداد القادم من بني شنقول، ما يجعل الحلقة كاملة: شحنات من الإمارات، نقل إثيوبي، توزيع في يابوس، ثم ضربات مباشرة على المدن السودانية.
ويتسع المشهد أكثر مع تدشين معسكر اماراتي جديد في “محلية أوندلو”، وهي منطقة واسعة قليلة السكان تقع شرق الإقليم وتفتقر للوجود الأمني الفعّال. داخل هذه المحلية تقع “قرية الأحمر”، القرية الصغيرة التي لم تكن تكتسب أي أهمية قبل أن تتحول خلال الأسابيع الماضية إلى مركز عسكري ناشئ، وثّق المصدر وصول عشرات اللاندكروزرات والشاحنات الثقيلة، وحدات تدريب، وعناصر من مليشيا الدعم السريع والحركة الشعبية، بالإضافة إلى مدربين يُرجح أنهم إماراتيون أو تابعون لشركات أمنية خاصة. المعسكر، وفق وصفه، يبدو أشبه بقاعدة تدريب عمليات خاصة منه بموقع ريفي عادي، ما يعكس مرحلة جديدة في التطوير العسكري داخل الإقليم.
في هذا المشهد ، لا يبدو افليم “بني شنقول” – سوداني الأصل – مجرد جغرافيا، بل يصبح قلب المشهد. فهو إقليم ضعيف السيطرة، متداخل قبليًا مع السودان بحدود مشتركة غير محسومة ، وملاصق لملف سد النهضة، ويمتد من خلاله واحد من أهم المسارات التي يمكن تحويلها إلى ممر نفوذ عابر للحدود.
اختيار الإمارات لهذا الإقليم ليس صدفة، بل يدخل ضمن مشروع عملياتي يقوم على تثبيت نفوذ عسكري قريب من السودان بعيدًا عن رقابة البحر الأحمر، وشراء ولاء إثيوبيا في خضم أزمة سياسية. امنية ومالية خانقة، وفتح ممر ممتد من “بربرة” في صوملاند الانفصالية إلى “أديس ابابا” التي تقع في “اقليم أروميا”، ثم إلى “بني شنقول” وصولًا إلى عمق السودان، في إطار مسعى أوسع “لأبوظبي” من اجل الإستعواض وإعادة بناء نفوذها المفقود في مناطق أخرى من القرن الإفريقي.
هذا النشاط يمثل أخطر تهديد مباشر للأمن القومي السوداني منذ اندلاع الحرب، وتحولًا جذريًا في دور إثيوبيا من جار متدخل خفية إلى طرف مشارك صراحة ، مع إمكانية تمدّد المليشيات نحو حدود جديدة، وقابلية اشتعال الإقليم بالكامل إذا تداخلت مسارات السلاح مع التوترات القبلية والسياسية المتجذرة.
*_خلاصة القول ومنتهاه_ :
إن ما يجري في بني شنقول يتجاوز كونه عمليات تهريب أو دعماً منفرداً لمليشا الدعم السريع ، ليتحول إلى بناء ممنهج لبنية حرب دائمة تتجاوز السودان إلى الإقليم بأكمله. نحن أمام مشروع الفوضى والخراب الإماراتي يمتد من أديس إلى تخوم النيل الأزرق، تتحول فيه الإمارات من داعم خارجي إلى مهندس ميداني داخلي ، وتتحول فيه إثيوبيا من دولة جوار إلى طرف أصيل في هذه الهندسة . وإذا لم يُكسر هذا الخط الآن، فإن القرن الإفريقي قد يواجه نسخة جديدة من الحروب العابرة للحدود… حروب تبدأ من بني شنقول، لكنها بالتأكيد لن تنتهي عند السودان . لتشمل كل إفريقيا .
