منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*لماذا تغيّر الموقف الأمريكي و الغربي* ؟* *أسباب انكسار الرواية المضلِّلة في حرب السودان* .. السفير / رشاد فراج الطيب

0

*لماذا تغيّر الموقف الأمريكي و الغربي* ؟*

 

*أسباب انكسار الرواية المضلِّلة في حرب السودان* ..

السفير / رشاد فراج الطيب


شهدت الأسابيع الماضية تحولاً لافتاً في الموقفين الأميركي والأوروبي تجاه حرب السودان ، تحول لم تصنعه المشاعر الإنسانية ولا صحوة متأخرة للضمير الغربي ، بل صنعته قوة الحقائق حين تفرض نفسها ، وسقوط الروايات المصنوعة حين تُفتح أمامها نوافذ السماء .
كانت صور الأقمار الاصطناعية ، قبل أي شيء آخر ، هي الشرارة التي فجّرت حالة الإرباك داخل مراكز القرار في واشنطن وبروكسل ، وكشفت ما حاولت بعض الأطراف إخفاءه أو الالتفاف عليه لثمانية عشر شهراً كاملة .

التقارير الصادرة عن الجامعات ومراكز التحليل الأميركية التي تعتمد على شبكات مراقبة فضائية متقدمة ، قدمت للعالم خرائط حرارية ، مسارات حركة ، بصمات حرائق ، ودماء علي الأرض وتوثيقاً زمنياً لعمليات قتل ممنهج وتطهير عرقي نفذتها قوات التمرد داخل وخارج
الفاشر .
ولأن هذه التقنيات جزء من المنظومة العلمية الأميركية نفسها ، فقد كان من المستحيل على الإدارة الأميركية طرحها جانباً أو التهوين من صدقها .

الصدمة الأكبر لم تكن في وجود جرائم ، فالجميع كان يدرك حجم الفظائع ، بل في انكشاف وجود أسلحة غربية بعضها أميركي وأوروبي في مسرح تلك الجرائم .
وهنا بدأ الخطر الحقيقي على واشنطن ،
خطر المساءلة ، وخطر الفضيحة ، وخطر أن تتحول الحرب في السودان إلى ملف قانوني يلاحق الإدارات السابقة والحالية على السواء .

الأدلة الفضائية مؤهلة للاستخدام أمام محكمة الجنايات الدولية ، وهي نوع من الأدلة التي لا يمكن التلاعب بها أو إنكارها .
وهذا يفتح الباب
أمام مسائلة شبكات السلاح الغربية ،
ومراجعة الدور السياسي للإدارات الأميركية السابقة ،
وتحقيقات قد تطال شركات صناعة السلاح ذات النفوذ الواسع .

كانت واشنطن تدرك أن تجاهل هذه الحقائق سيُقرأ داخلياً كنوع من التستر الحكومي على جرائم حرب ، وهو أمر لا يمكن لأي رئيس أميركي تحمل تبعاته في سنة انتخابية أو غير انتخابية .
لذلك جاء تغيير الخطاب السياسي تجاه السودان اضطرارياً لا اختيارياً .

إلى جانب الضغط الفضائي ، لعبت وسائل التواصل وعلى رأسها تويتر دوراً بالغ التأثير في تفجير معلومات حسّاسة حول خطوط الإمداد الإماراتي بالسلاح عبر مطارات متعددة ودول محيطة بالسودان من خلال كشف مسارات واماكن اقلاع وهبوط طائرات شحن السلاح ،
هذه المعلومات، التي انتشرت بوسائل يصعب السيطرة عليها ، وضعت أبوظبي أمام موجة غضب عالمي ، ودفعت واشنطن وبروكسل إلى إعادة النظر في مكاسب استمرار التغطية على حليف متورط في تأجيج حرب باتت تهدد استقرار الإقليم برمته .

لم يكن للضغط الغربي أن يتغير لولا مشهد غير مسبوق صنعته الديسابورا السودانية .
فخروج السودانيين بكثافة في واشنطن ، ولندن، وبرلين ، وباريس ، وبروكسل وسويسرا ، وكندا ، وأستراليا ، كشف للمجتمع الدولي حجم الرفض الشعبي للعدوان الإماراتي والتفاف الشعب حول جيشه وحكومته الشرعية ، وقدّم للعالم رواية موحدة ومنسجمة تستند إلى أخلاقية الموقف الوطني ، لا إلى دعايات الحرب.

لقد ساهمت هذه الحركة الشعبية المنظمة بمعناها الوطني الواسع ، في إحراج الحكومات الغربية ، وكسب تعاطف الرأي العام ، وفرض السودان على الأجندة الدولية باعتباره قضية عدوان لا قضية صراع داخلي .

غير أن العامل الأهم في تغيير المواقف الغربية يبقى ما حققته القوات المسلحة السودانية على الأرض من انتصارات استراتيجية قلبت موازين الحرب ، وأعادت الاعتبار للدولة ، وللمؤسسات الوطنية ، ولمنطق الشرعية مقابل وحشية التمرد وفظائعه .

فحين تفرض الدولة حضورها ، وتنضج عملياتها العسكرية ، وتتحرك دبلوماسيتها الرسمية بثقة ومسؤولية ، يصبح من الصعب على القوى الدولية تجاهل الحقائق أو التعامل مع السودان بوصفه فراغاً أو ساحة نفوذ .

لقد خلق التقدم العسكري والسياسي واقعاً جديداً جعل الغرب يرى ولو متأخراً أن الجيش يمثل الأصل الشرعي ، المنضبط ، القادر على الحفاظ على السودان وعلى أمن الإقليم ، في مواجهة مجموعات مرتزقة فقدت أي غطاء سياسي أو أخلاقي .

إلى جانب ذلك ، برز التحرك السعودي الأخير كجزء من حماية أمن البحر الأحمر ووقف مشروع توسعي خطير تقف خلفه الإمارات عبر دول جوار أخري .
وهو عامل إضافي دفع الغرب لإعادة هندسة مواقفه قبل أن تتحول فوضى القرن الأفريقي إلى تهديد مباشر للمصالح الغربية في الممرات البحرية .

لم يكن تحول واشنطن وأوروبا موقفاً أخلاقياً ، بل جاء نتيجة توازنات ضاغطة .

الأقمار الصناعية التي كشفت الحقيقة
وتسرّب المعلومات حول خطوط السلاح ، وصعود الدبلوماسية الشعبية السودانية ،
وأخيراً وهو العامل الحاسم ، انتصارات الجيش وتماسك الدولة .

واليوم ، يبقى الواجب الوطني واضحاً ، المزيد من
الالتفاف حول الجيش والقيادة ،
دعم وتوسيع تحركات الدولة ،
مواصلة الضغط الشعبي والرسمي على الدول التي تغذي الحرب والعدوان ، والحذر من التدخلات الخارجية وأجندتها الخبيثة التي لا تريد للسودان إلا الضعف والانقسام .

فالسودان اليوم أمام لحظة تاريخية تحتاج إلى وعي الشعب كله .
والجيش بعقيدته الوطنية هو الراية التي يجب أن تظل عالية حتى يكتمل النصر ، وتعود الدولة إلى كامل هيبتها وسيادتها ويتحقق الانتصار الحاسم الممهور بدم الشهداء الزاكي.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.