عثمان جلال يكتب : *قيادات صمود والهروب من الأسئلة الإستراتيجية*
عثمان جلال يكتب :
*قيادات صمود والهروب من الأسئلة الإستراتيجية*

(١)
ماذا عن دقلو ؟ هذا السؤال الإستراتيجي بتفرعاته هو الزيت بلغة شباب العصر والذي يجب أن تصوبه الأجهزة الإعلامية لقيادات تحالف صمود . هب أن الرد الجاهز عندهم كان هو أن الدعم السريع أسسه المؤتمر الوطني لحماية سلطة الرئيس البشير، وهذا ضرب من الكسل الفكري رغم أنه يستبطن إدانة للنظام السابق، لأن الإجراء الثوري والذي يتسق مع شعارات ثورة ديسمبر وهم صناعها كما يزعمون هو أن الجنجويد ينحل وما في مليشيا بتحكم دولة.
وإن كان ذلك كذلك فلماذا صمتت قيادات صمود عن إدخال حميدتي في الطاقم القيادي للمكون العسكري بعد الثورة وهي تدرك أن قواته تشكل اكبر تشوه في جدار المؤسسة العسكرية السودانية؟ ولماذا غضت الطرف عن صعوده نائب لرئيس مجلس السيادة الانتقالي وهي تدرك عدم وجود هذا المسمى الوظيفي في الوثيقة الدستورية ؟؟
ولماذا وقعت معه الإعلان السياسي وتراضت معه على اتفاق تشكيل الحكومة الانتقالية في اغسطس ٢٠١٩؟؟ ولماذا لم تبادر بالدعوة لعقد اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء لإلغاء تعديل قانون قوات الدعم السريع للعام ٢٠١٧ واعادة المادة (5) التي تكرس لتبعيته الفنية لرئيس هيئة الأركان. وتبعيته السياسية للقائد الاعلى للقوات المسلحة السودانية؟.
قد تدفع قيادات صمود بمنطق إن هذا الاجراءات من اختصاص أعضاء المكون العسكري ، ولكن هل سجلت هذه القيادات أي اعتراضات ضد تغلغل مليشيا آل دقلو في مؤسسات المرحلة الانتقالية؟ ألا تدرك هذه القيادات أن نجاح مهام المراحل الانتقالية يقتضي التمثيل الرمزي لقيادات
المؤسسة العسكرية الأم دعك من مليشيا إثنية وأسرية كان يجب اجتثاثها وتفكيكها بقرارات ثورية قبل مغادرة الثوار لساحة الاعتصام في القيادة العامة.
(2)
عبأت قيادات صمود الشارع الثوري بالشعارات الشعبوية الفارغة من شاكلة (حميدتي الضكران الخوف الكيزان) وعندما فض هذا المجرم اعتصام القيادة العامة بالقوة الغاشمة وقبل أن تجف دماء الشهداء عادت قيادات صمود لمعانقته ووقعت معه إتفاق شراكة الدم من جديد، وسلمته ملفات السلام والاقتصاد، وكانت شعاراته لحل الأزمة الاقتصادية من شاكلة (نحن ياجماعة هدفنا ما عندنا هدف) (الدولار دا يا صرعنا ياصرعناه عديييل كدة) وضجت هذه القيادات في القاعة بالتصفيق له. ثم أثمرت هذه الشعارات بتجفيف عصابة آل دقلو الدولار من الاسواق ونهب ثروات الأجيال القادمة من الذهب والمعادن الاخرى، وتشييد إمبراطورية عسكرية واقتصادية وبناء شبكة علاقات داخلية وخارجية شكلت دولة موازية داخل الدولة السودانية .
إن ثالثة الأثافي هو تحول صمت قيادات صمود اتجاه تنامي نفوذ مليشيا آل دقلو إلى شراكات تجارية واستثمارية فردية وحزبية مع شركات المليشيا.
(3)
وهل توقفت الشراكة عند محطة المصالح التجارية؟ لقد طورت قيادات صمود الشراكة مع حميدتي الى مشروع سياسي متكامل توجته بالاتفاق الاطاريء في ديسمبر 2022م.هذه الوثيقة الملعونة منحت مليشيا الدعم السريع الإستقلالية الإدارية والفنية عن القوات المسلحة وكرست لها الحق القانوني لممارسة الأنشطة الاقتصادية والتجارية، بينما حظرت ذات الوثيقة الجيش السوداني عن ممارسة أي أنشطة اقتصادية. وأبعدت قيادات صمود النجعة في التحالف مع حميدتي حيث وصفت قواته المتحدرة كليا من إثنية العطاوة بأنها تشكل النواة الصلبة للجيش السوداني الجديد . ثم توافقت مع قائد المليشيا على مقترح تأجيل عملية دمج قواته في الجيش لعشر سنوات .بالطبع المدة كفيلة بترجيح توازن القوى لصالح المليشيا مما يفرض دمج الجيش السوداني في مليشيا آل دقلو وسيتحول الى مسمى الجيش الملكي السوداني . وهكذا كان يخطط المجرم محمد بن زايد مع حميدتي ، بينما كانت قيادات صمود بمثابة حصان طروادة لهذا السيناريو اللعين.
(4)
لكن لماذا لم ترفع قيادات صمود بعد التوقيع المبدئي على الاتفاق الاطاريء شعار إما إنفاذ الإتفاق الاطاريء أو الثورة الجماهيرية الشاملة واستعاضت عن ذلك بشعار يالاطاريء أو الحرب؟؟ لأنها أدركت أن الحركة الجماهيرية انفضت عنهم وشيعتهم باللعنات بعد اكتشافها أن الأقنعة الثورية التي يتدثرون بها تخفي وراءها شهوة السلطة الجامحة. وأيضا لأنها يئست من قيادة الجيش التي رفعت شعار التوافق بين كل القوى السياسية كشرط للتوقيع على وثيقة الاتفاق الاطاريء. وعندها لجأ تحالف الهاربين واليائسين إلى تشبيك تحالفهم مع محمد بن زايد وحميدتي . وتوافقوا معهم على استلام السلطة عبر الانقلاب العسكري في يوم 15 ابريل 2023م.
(5)
ولكن هل تدرك قيادات صمود الإلهام التاريخي من تجارب الانقلابات العسكرية في السودان؟
لقد جرب حزب الأمة الاستقواء بالمؤسسة العسكرية وسلم السلطة للمشير عبود في نوفمبر ١٩٥٨ وفق اتفاق يقضي بإعادة نفوذ الحزب. ثم جربت الكتلة اليسارية الاستقواء بالجيش في إنقلاب مايو ١٩٦٩م . ثم أراد الحزب الشيوعي أيلولة كل السلطة لطبقة البروليتاريا في انقلاب هاشم العطا يوليو 1971.
ثم جربت الحركة الاسلامية استلام السلطة عبر الانقلاب العسكري في يونيو 1989م
فما هي العبر والدلالات المستقاة من هذه التجارب الانقلابية؟ إقصاء الأحزاب السياسية ورموزها التي صنعت الانقلابات وتمترس القيادات العسكرية في الحكم المطلق حتى ازاحتهم عبر انتفاضات جماهيرية انحازت إليها المؤسسة العسكرية .
(6)
بالمقابل هل تتوقع قيادات صمود أن التحالف السياسي مع محمد بن زايد وحميدتي سيثمر نظام ديمقراطي ودولة مدنية لها قابلية الاستدامة والإلهام للشعوب العربية والخليجية؟
وهل كانت تتوقع قيادات صمود في حال نجاح انقلاب حميدتي أن يتصدى لقيادة عملية المدننة والدمقرطة في السودان ؟؟
وهل كانت تتوقع هذه القيادات ترجل حميدتي عن السلطة في حال انتهاض الشعب السوداني ضده في انتفاضة شعبية كما ترجل عبود ونميري والبشير ؟؟ وهل كانت تتوقع هذه القيادات انحياز جيش العطاوة الجديد للانتفاضة الشعبية كما انحاز الجيش السوداني لإرادة الجماهير في ثورات 1964و 1985 و 2018 ؟؟
إن التعاطي العميق والأخلاقي لقيادات صمود مع هذه الأسئلة والاستدراكات الاستراتيجية سيقودها الى نتيجة مفادها انها لا تزال تصطف في الجانب الخطأ من التاريخ، وتصحيح هذا الخطأ الاستراتيجي يبدأ بفك الارتباط والتحالف مع محمد بن زايد وحميدتي والاصطفاف مع الجيش والشعب السوداني في معركة الكرامة حتى القضاء الناجز على مليشيا آل دقلو أو استسلامها.
الجمعة : 2025/11/21
