*استدعاء التدخل الخارجي لمواجهة العدوان ! _ العواقب الوخيمة-* بقلم رشاد فراج الطيب
*استدعاء التدخل الخارجي لمواجهة العدوان ! _ العواقب الوخيمة-*
بقلم رشاد فراج الطيب

في لحظات الانهيار الكبرى التي تصنعها الحروب ، يلوذ بعض الفاعلين السياسيين بما يظنونه طوق نجاة ، فيسعون إلى استدعاء التدخل الخارجي تحت مبررات إنسانية أو سياسية .
غير أن المفارقة المؤلمة أن العدوان الذي تتعرض له الدولة في المقام الأول هو شكل من أشكال التدخل الخارجي ، سواء جاء عبر وكلاء أو عبر مشاريع عابرة للحدود تسعى لإعادة تشكيل موازين القوة .
فالعدوان لا يكون بريئاً ولا مجانياً ، بل يستهدف تحقيق نفوذ ، أو يعمل على خلط الأوراق والدفع بالمشهد نحو مرحلة تستوجب في نظر صانعيه تدخلاً أكبر يعمّق الأزمة ولا يطفئها .
وحين يصبح الخارج طرفاً في الصراع ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، تتفاقم المخاطر .
إذ إن القوى التي صنعت العدوان أو غذّته أو باركت تمدده لا يمكن أن تكون جزءاً من حل وطني صادق .
وفي ظل هذا الواقع ، تبرز الإشكالية الأخطر ، لجوء بعض القوى داخل الدولة إلى الشكوى للخارج ، واستدعاء التدخل السياسي أو الإنساني عبر الترحيب بالمبادرات الدولية ، أو دعوة المنظمات والدول للتدخل بحجة وقف الحرب .
ذلك المسار يبدو في ظاهره إنقاذاً ، لكنه في جوهره خطأ سياسي فادح ، لأنه يفتح الباب واسعاً أمام القوى المتدخلة لفرض حلول لا تعبّر عن الإرادة الوطنية ولا تراعي المصلحة العليا للدولة .
إن الرهان على الخارج لا يصنع سلاماً ، بل يصنع وصاية .
فهو يمنح الآخرين الحق في إعادة هندسة السلطة ، وتوزيع المكاسب ، وتحديد مستقبل مؤسسات الدولة وفق ميزان مصالحهم لا وفق مقتضيات السيادة الوطنية .
ومتى ما تحوّل الخارج إلى ضامن وحَكَم ، غاب دور القوى الوطنية ، وذوت قدرة المجتمع على إنتاج حلّ يتناسب مع احتياجاته الفعلية .
والأسوأ أن التدخل الإنساني ، الذي يبدو نبيلاً في شعاراته ، يصبح بوابة لتدويل الأزمة وفتح ملفات جديدة تتجاوز حدود الحرب نفسها ، فيتحول الوطن إلى ساحة صراع مصالح لا إلى موضوع دعم إنساني .
إن مواجهة العدوان الخارجي لا تكون باستدعاء عدوان آخر بغطاء المبادرات أو الضغوط الدولية ، بل بتعزيز قدرة الدولة على إدارة أزمتها بأدواتها الذاتية.
فالدول التي احترمت نفسها في التاريخ الحديث كانت أكثر استعداداً لتحمّل أعباء اللحظة مهما كانت قاسية ، لكنها لم تسلّم زمام أمرها لغيرها .
والسيادة لا تُستعاد عبر الوسطاء ، بل عبر امتلاك القدرة على فرض معادلات جديدة تُبنى على وحدة الجبهة الداخلية ، وترتيب أولويات الأمن القومي ، وتحريك ماكينة الدبلوماسية وفق رؤية وطنية لا وفق ضغوط خارجية .
إن أخطر ما في التحولات الحالية هو إغراء “الحلول السريعة” التي يوحي بها التدخل الخارجي .
غير أن هذه الحلول ليست سوى مسارات ملغومة ، تفضي إلى تدويل الصراع ، وتقليص قدرة الدولة على اتخاذ قرار مستقل .
والواقع أن القوى الدولية لا تقدم العون بلا مقابل ، ولا تتحرك خارج حساباتها الدقيقة للنفوذ والمصالح .
ومن ثمّ، فإن كل تدخل خارجي هو إعادة تشكيل للخريطة السياسية الداخلية ، وتحديد لمستقبل الصراع بما يخدم الفاعلين الدوليين .
لقد أثبتت تجارب الإقليم والمنطقة أن الشعوب التي سلّمت أمرها للخارج لم تستعد استقرارها بسهولة ، وأن الدول التي فتحت أبوابها للتدخل السياسي أو الإنساني تحولت لاحقاً إلى مسارح مفتوحة لأجندات متنافسة ، يعلو فيها صوت المصالح الخارجية على صوت الوطنية .
وعلى هذا الأساس ، فإن أي دعوة للتدخل ، مهما رُفعت بشعارات إنسانية ، تستوجب حذراً مضاعفاً ووعياً عميقاً بما ستخلّفه من آثار بعيدة المدى .
إن حماية الدولة من العدوان تبدأ برفض تحويلها إلى ملف دولي أو مجال نفوذ لأي طرف إقليمي أو دولي .
ويظل الرهان الأجدى هو الرهان على الذات ، وعلى بناء القوة الداخلية التي تستطيع محاصرة العدوان ، وفرض شروط الحل من داخل البيت الوطني ، لا عبر استدعاء قوى خارجية ستعمل ، بطبيعتها ، على هندسة المشهد بما يخدم مصالحها وحدها.
