*الإنتاج والصناعات الصغيرة… بين أيدينا الحل فلنلتفت له قبل فوات الاوان* مستشار احمد حسن الفادني
*الإنتاج والصناعات الصغيرة… بين أيدينا الحل فلنلتفت له قبل فوات الاوان*
مستشار احمد حسن الفادني

في خضم الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي يعيشها السودان تأتي حقيقة راسخة يغفل عنها صانعوا القرار في كثير من الأحيان وهي أن الحلول الكبرى كثيرا ما تبدأ من التفاصيل الصغيرة، فبين أيدينا اليوم فرصة حقيقية لإعادة صياغة المشهد الاقتصادي السوداني من الأساس عبر مشروعات الإنتاج والصناعات الصغيرة وهي التي تشكل في دول مثل( الهند وباكستان والصين ومصر ) العمود الفقري للاقتصاد الوطني والمصدر الأول للتشغيل ومحرك للصناعات الكبرى.
و لكي نوازن الاقتصاد لابد لنا نفعل كما فعلت دول لها تجارب في ذلك و أقربها جمهورية مصر العربية التي اعتمدت نظام الصناعات الصغيرة في رفعة و ثبات اقتصادها و أسست مدن صناعية لهم ووفرت لهم الخدمات الأساسية و ضمنت الأسواق بعقود ملزمة مع الشركات و المصانع الكبيرة و فرضت جمارك و ضرائب على المنتجات التي يمكن أن تصنع في مصر و تستورد من الخارج حماية للمنتج الوطني .
1. التحول من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الإنتاج: التحدي الأكبر في السودان ليس قلة الموارد انما في نمط التفكير الاقتصادي والاجتماعي الذي جعل المواطن أقرب إلى المستهلك الدائم منه إلى المنتج الفاعل، ولتحقيق التحول المنشود يجب بناء ثقافة جديدة قوامها العمل والإنتاج والإبداع مع ربط التعليم والتدريب بسوق العمل الحقيقي وتحفيز روح المبادرة الفردية والجماعية، إن الانتقال من الاستهلاك إلى الإنتاج لا يتحقق بالشعارات بل بتوفير بيئة عملية عادلة و ممكنة تزيل الحواجز أمام المنتج الصغير وتمنحه الثقة والفرصة لينطلق.
2. مشروعات الإنتاج الصغرى كقاعدة للتنمية الصناعية : في الاقتصاد الحديث نجد أن الصناعات الكبرى لا تنشأ من الفراغ بل تقوم على الاف من الورش والمشروعات الصغيرة التي تمدها بالمدخلات والمواد الأولية والمكونات الاساسية، فالهند مثلا تبني صناعتها الدوائية والإلكترونية على شبكات من المنتجين المحليين الصغار الذين يعملون في بيئة منظمة ومحمية تشريعيا. وفي السودان يمكن تطبيق النموذج ذاته عبر دعم الإنتاج الصغير في مجالات:
– الزراعة العضوية و المكثفة لإمداد الصناعات الغذائية.
– مشروعات تربية الدواجن والألبان والمواشي الصغيرة لتغذية الصناعات الحيوانية.
– صناعات التحويل الزراعي مثل تعبئة العصائر والزيوت والبهارات والمربات وغيرها.
– المنتجات الحرفية واليدوية التي تمثل إرثا ثقافيا واقتصاديا قابلا للتصدير.
3. البيئة التشريعية والتمويلية كقاطرة للنهضة: الحديث عن الإنتاج دون تمويل وتشريعات هو كلام بدون أرضية. فهنا يجب على حكومة كامل ادريس أن تحدث نقلة نوعية في نظام التمويل الأصغر والصناعات الصغيرة عبر:
– تأسيس حاضنات إنتاجية وطنية تحتضن الأفكار وتحولها إلى مشاريع تجارية حقيقية.
– اصدار تشريعات وضمانات للتسويق الداخلي والخارجي تضمن للمنتج الصغير منافذ بيع واستقرارا في الأسعار.
– توفير شبكات لوجستية ومراكز تجميع وتسويق في كل ولاية لتقليل الفاقد وتحسين الكفاءة.
– الزام الشركات الكبرى والمؤسسات الوطنية برعاية المشروعات الصغيرة ودمجها في سلاسل القيمة الإنتاجية.
4. من الرعاية إلى الرقابة والتنظيم: ليس المطلوب فقط تشجيع المشروعات الصغيرة بل مراقبتها ورعايتها وتطويرها باستمرار وهنا يجب أن تتحول الحكومة من دور المانح إلى دور المنظم و المحفز والمراقب للجودة والإنتاجية بما يضمن تطور هذه المشاريع ونموها بشكل مستدام، كما ينبغي استحداث نظام حديث للمعلومات والإحصاء الصناعي لمتابعة الأداء وتوجيه الدعم حيث يحتاجه السوق.
5. رؤية اقتصادية متكاملة للمستقبل: اذا أردنا تغيير واقع الاقتصاد السوداني فعلينا أن نبدأ من القاعدة و من القرية و من الورشة الصغيرة و من الشاب أو المرأة الذين يبحثون عن فرصة عمل لا وظيفة حكومية، إن دعم الصناعات الصغيرة يعني بناء اقتصاد متماسك من الأسفل إلى الأعلى اقتصاد يشغل الشباب ويقلل الفقر ويعيد التوازن التجاري عبر زيادة الصادرات وتقليل الواردات، وما لم نؤمن بأن الحل بين أيدينا سنظل نبحث عنه في الخارج بلا جدوى.
لقد حان الوقت لأن نكف عن الالتفات بعيدا، فالموارد أمامنا والطاقة البشرية متاحة والأفكار موجودة ، ما ينقصنا هو الإرادة والرؤية الحديثة لتوظيفها ضمن مشروع وطني للإنتاج والصناعات الصغيرة، يبنى على المعرفة ويستفيد من التجارب الناجحة ويعيد للسودان مكانته الطبيعية كدولة منتجة لا مستهلكة.
فبين أيدينا الحل… فلنلتفت إليه قبل فوات الأوان.
