منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

البُعد الآخر د. مصعب بريــر *خدموا الوطن حتى آخر العمر … ثم كافأهم بالجوع : المعاشي حين يُرمى خارج الذاكرة ..!*

0

البُعد الآخر

د. مصعب بريــر

*خدموا الوطن حتى آخر العمر … ثم كافأهم بالجوع : المعاشي حين يُرمى خارج الذاكرة ..!*

 

ليست قضية المعاشيين شأنًا فئويًا عابرًا، بل مرآة صادقة لأخلاق الدولة، ومقياسًا حاسمًا لوفائها لمن أفنوا أعمارهم في خدمة الوطن. في عموده اللافت، يضع الكاتب الصحفي يوسف أرقاوي إصبعه على جرحٍ غائر، متسائلًا بمرارة موجعة: «هل أضحى المعاشي منديل ورق يُستعمل ثم يُرمى؟».

واقع مرير لا يحتاج إلى تزيين:

يستعرض المقال التناقض الصارخ بين عِظَم ما قدّمه المعاشيون—أطباء حملوا الأرواح على أكتافهم، معلمون صنعوا الوعي، مهندسون شيدوا البنى التحتية—وبين ما يتقاضونه اليوم من معاشٍ هزيل لا يتجاوز 37 ألف جنيه، مبلغ لا يكفي لتأمين أساسيات يوم واحد في ظل غلاءٍ خانق وانهيار متواصل في القوة الشرائية.

خلل هيكلي وتشريعي فادح:

ينتقد أرقاوي ما يسميه بـ«البلادة التشريعية» في تعديل المعاشات، حيث أفرزت القوانين واقعًا عبثيًا صنع فوارق غير عادلة بين من تقاعدوا قبل 2022 ومن جاؤوا بعدهم، رغم تماثل سنوات الخدمة والمرتبات. إنها مفارقة تفضح خللًا عميقًا في فلسفة العدالة نفسها، لا مجرد خطأ حسابي.

مفارقة المؤسسات… حين يدفع الضحية الثمن مرتين:

الأكثر إيلامًا أن أموال استقطاعات المعاشيين كانت حجر الأساس في تشييد كبرى المستشفيات والمؤسسات العلاجية، ومع ذلك يُحرمون اليوم من علاج مدعوم فيها. في المقابل، يلفت الكاتب النظر إلى وضعٍ صادم، حيث يتقاضى بعض موظفي التأمينات رواتبهم وبدلاتهم كاملة وهم في «إجازة مفتوحة» منذ عامين، بينما تُترك منازل معاشيين مرهونة بلا حراك أو اكتراث.

تجارب عالمية ملهمة: كيف تُكرّم الأمم أبناءها؟

إن رعاية المتقاعدين ليست ترفًا اجتماعيًا، بل استثمار ذكي في الاستقرار والأمن المجتمعي. وتقدم تجارب الدول الأخرى دروسًا بالغة الوضوح:

• اليابان – الإدماج عبر الخبرة:
تنظر اليابان للمتقاعد بوصفه كنزًا معرفيًا. عبر مراكز (Silver Human Resource Centers)، يُتاح للمتقاعدين العمل في وظائف خفيفة أو استشارية، ما يؤمن دخلًا إضافيًا ويحافظ على الصحة النفسية والاندماج الاجتماعي.

• ألمانيا – النظام التضامني العادل:
يرتبط المعاش تلقائيًا بمعدلات التضخم والأجور، مع تأمين صحي شامل يغطي كل الاحتياجات الطبية، دون أن يتحول المرض إلى كابوس مالي.

• الإمارات – التكريم العملي:
أطلقت دبي بطاقة «ذخر» لكبار السن، توفر خصومات واسعة في المواصلات والعلاج والخدمات الحكومية، مع مسارات سريعة لإنجاز المعاملات تقديرًا لعطائهم.

كيف نخرج من هذا الواقع المرير:

1. الربط التلقائي بالتضخم:
تعديل القوانين لضمان ارتفاع المعاش سنويًا مع تكلفة المعيشة، ووضع حد أدنى يحفظ كرامة الإنسان.

2. تأمين صحي شامل:
منح كل معاشي بطاقة علاج ذهبية تضمن العلاج المجاني الكامل في المؤسسات التي شُيدت بأموالهم.

3. تفعيل التنظيم النقابي:
توحيد صوت المعاشيين في اتحادات قوية تضغط لاستعادة الحقوق، وعلى رأسها فك رهونات المنازل فورًا.

4. الاستفادة من الخبرات المتراكمة:
إعادة توظيف المعاشيين كمستشارين بعقود مرنة ومكافآت مقطوعة، حفاظًا على المعرفة الوطنية من الهدر.

بعد اخير :

خلاصة القول علينا ان نتذكر بان كرامة المعاشي يجب ان تكون خط أحمر، إن تحويل المعاشي إلى «منديل ورق» ليس مجرد إخفاق إداري، بل سقطة أخلاقية كبرى. هؤلاء هم من علّموا وربّوا وشيّدوا، وتكريمهم ليس منّة ولا فضلًا، بل ردُّ دينٍ مستحق.

وأخيراً، إن الوفاء للمعاشيين هو الرسالة الأصدق لجيل اليوم:
اعملوا بإخلاص… فالوطن لا ينسى من بنوا لبناته الأولى.

ونواصل… إن كان في الحبر بقية، بمشيئة الله تعالى.

﴿لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾
حسبنا الله ونِعم الوكيل
اللهم لا تُسلِّط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، يا أرحم الراحمين.

#البُعد_الآخر | مصعب بريــر
الأربعاء | 17 ديسمبر 2025م
musapbrear@gmail.com

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.