خبر وتحليل – عمار العركي *زيارة البرهان إلى القاهرة: تكشف الموقف المصري وسوء فهمه؟*
خبر وتحليل – عمار العركي
*زيارة البرهان إلى القاهرة: تكشف الموقف المصري وسوء فهمه؟*

▪️ جاءت زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة في توقيت حساس ومُعقد، يتصاعد فيه الجدل حول طبيعة الموقف المصري من السودان، ويتداخل فيه التحليل الموضوعي مع قراءات متعجلة تُحمّل الهدوء المصري دلالات التماهي أو التراجع أو الانحياز.
▪️ زيارة البرهان إلى القاهرة لا تُقرأ كحدث سوداني مصري منفصل، بل كجزء من سياق أوسع يعيد تشكيل المواقف والتحالفات في الإقليم.
▪️ في هذا السياق، تكتسب الزيارة أهميتها الحقيقية، كمدخل عملي لفهم طبيعة الدور المصري وحدوده الفعلية في ظل بيئة إقليمية واقتصادية ضاغطة.
▪️ استقبال القاهرة للبرهان في هذا التوقيت يثبت حقيقة جوهرية أن مصر لم تغادر الملف السوداني، ولم تتخلَّ عن السودان كعمق استراتيجي ومكوّن أساسي من معادلة أمنها القومي، لا سيما في ما يتصل بالبحر الأحمر والحدود الجنوبية.
▪️ غير أن هذا الحضور يُدار بمنطق مختلف ؛ ليس بمنطق “الصدام العلني أو الخطاب العالي”، بل بمنطق “إدارة المخاطر وضبط الإيقاع”، وهو ما كثيرًا ما يُساء تفسيره في الفضاء العام.
▪️ تعكس زيارة البرهان حرص القاهرة على الإبقاء على قناة تواصل مباشرة ، خارج تعقيدات المسارات الرباعية ، وفي إطار تقدير واقعي للتوازنات والمخاطر.
▪️ وللقراءة الدقيقة لدلالات الزيارة، لا بد من وضعها ضمن السياق الأوسع الذي يحكم الموقف المصري الراهن
▪️مثلاً ، تقرير البنك الدولي للديون الدولية 2025 وضع مصر أمام واقع رقمي ضاغط، فنسب خدمة الديون تقترب من نصف الصادرات، واعتماد متزايد على التمويل الخارجي قصير الأجل، ما انعكس مباشرة على طبيعة القرار الخارجي وحدود حركته.
▪️ في ظل هذه القيود، لم تعد السياسة الخارجية المصرية ساحة للمواقف “الصدامية أو المبادرات عالية الكلفة”، بل أداة لإدارة التوازنات، وتقليل الخسائر، والحفاظ على الحد الأدنى من ‘النفوذ” دون الانزلاق إلى التزامات تتجاوز “القدرة”.
▪️ من هنا، يصبح الموقف المصري من السودان – وزيارة البرهان للقاهرة تحديدًا – تعبيرًا عن سياسة خارجية دفاعية، تحاول المواءمة بين “متطلبات الأمن القومي” وضغوط الواقع الاقتصادي.
▪️ سوء الفهم المحيط بالموقف المصري يعود، في جوهره، إلى تجاهل هذا العامل البنيوي. فحين يُقرأ الموقف المصري بمعزل عن أزمة الديون وضيق هامش الحركة، يُفسَّر التحفظ على أنه تماهي، ويُفهم الهدوء بوصفه ضعفًا.
▪️ واللافت في أعقاب الزيارة لم يكن فقط ما قيل في البيانات الرسمية، بل ما اختصره رئيس مجلس السيادة في تغريدة مقتضبة على منصة (X) حين قال: “شكرًا مصر… شكرًا فخامة الرئيس السيسي”.
▪️ تغريدة قصيرة، لكنها كاشفة؛ لأنها لا تُكتب من باب المجاملة، بل في لحظات الرسائل المدروسة والمحسوبة .
▪️ ففي السياسة، ليست كل المواقف “تُعلن”، ولا كل التفاهمات “تُقال”، وبعض الشكر يكون ترجمة واعترافًا بدور أُنجز بصمت.
▪️ من يقرأ هذه الإشارة جيدًا يدرك أن ما يجري بين القاهرة والخرطوم أعمق من البيانات، وأبعد من الضجيج الإعلامي ، وهو ما يعيد التذكير بأن سوء الفهم لا ينشأ من غياب الموقف، بل من استعجال تفسيره خارج سياقه الحقيقي.
▪️ والحقيقة أن القاهرة تتحرك داخل معادلة دقيقة، “لا تفريط في السودان، ولا اندفاع نحو صدامات مفتوحة” و ” لا انسحاب من المشهد، القاهرة لم تنسحب من السودان، لكنها تتحرك ضمن حدود توازنات لا تسمح لها بفرض المسار السياسي أو العسكري منفردة.”.
▪️ بهذا المعنى، لا تُنهي زيارة البرهان إلى القاهرة الجدل، لكنها تُسقط اتهام الانسحاب، وتؤكد أن مصر ما زالت حاضرة، وإن بأدوات أقل صخبًا وأكثر واقعية وتأثيرًا.
*خلاصة القول ومنتهاه*
▪️ الموقف المصري من السودان ليس لغزًا، بل نتاج معادلة بين ضرورات استراتيجية وقيود اقتصادية.القاهرة لا تزال تنظر إلى السودان بوصفه ركيزة أساسية لأمنها القومي، وتسعى لإبقائه داخل دائرة التوازن، لا تركه عرضة لفوضى النفوذ الخارجي الذي يُضر بالقاهرة والخرطوم بمستوى واحد .
▪️ من يقرأ الزيارة خارج هذا السياق يخطئ التقدير، ومن يربطها بما قبلها يفهم المشهد كما هو… لا كما يُراد له أن يبدو.
