*اتفاقية الدفاع المشترك،، من “التحذير” إلى “الردع”.* *هل يعيد النيل والحدود والمرتزقة، صياغة معادلة الأمن في السودان؟..*
*اتفاقية الدفاع المشترك،، من “التحذير” إلى “الردع”.*
*هل يعيد النيل والحدود والمرتزقة، صياغة معادلة الأمن في السودان؟..*

عبد العاطي: لن نسمح بانهيار مؤسسات الدولة السودانية..
لمياء: الخرطوم استقبلت الخطوط الحمراء المصرية بكثير من الارتياح..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
تتواصل التداعيات السياسية والأمنية للمواقف المصرية الصارمة تجاه تطورات الأوضاع في السودان، في ظل تصاعد مؤشرات إقليمية اعتبرتها القاهرة ” خطوطاً حمراء” وتهديداً مباشراً لأمنها القومي، ما أعاد إلى الواجهة ملف اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين، الموقعة منذ سبعينيات القرن الماضي، وتشير تقديرات سياسية متداولة إلى أن ملف المياه يظل في صدارة هذه الخطوط الحمراء، حيث تُعد أثيوبيا الطرف المعني مباشرة، لا سيما في ظل ما يرشح من أنباء عن فتح أراضيها لاستقبال معسكرات لتدريب عناصر من ميليشيا الدعم السريع، الأمر الذي تنظر إليه القاهرة باعتباره تطوراً بالغ الخطورة، وفي موازاة ذلك، يبرز ملف الحدود الغربية للسودان بوصفه خطاً أحمر آخر، حيث تُوجَّه أصابع الاتهام إلى مناطق شرق ليبيا الخاضعة لسيطرة قوات خليفة حفتر، باعتبارها ممراً رئيسياً للإسناد اللوجستي والعسكري وتدفق المرتزقة إلى داخل الأراضي السودانية، ما يوسِّع رقعة النزاع ويقوّض استقرار الإقليم.
تجديد وتشديد:
وجددت الحكومة المصرية موقفها الثابت من أن تفتيت السودان أو تقسيمه، أو المساس بمؤسساته الوطنية، يمثل خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها تحت أي ظرف، وأكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، أن القاهرة لن تسمح بانهيار أي من مؤسسات الدولة السودانية، مشدداً على أن الحفاظ على وحدة السودان واستقراره يُعد مصلحة استراتيجية مشتركة للبلدين، وجاءت تصريحات عبد العاطي عقب لقائه وزيرة شؤون مجلس الوزراء السودانية، دكتورة لمياء عبد الغفار، حيث أكد الوزير المصري أن بلاده تقف إلى جانب الشعب السوداني في هذه المرحلة الدقيقة، مبيناً أن البلدين يشتركان في نهر واحد ومصير واحد، وقال: “كلنا نشرب من مياه النيل العظيم الخالد، وبالتأكيد فإن مستقبلنا وأمننا مترابطان”.
التقاط القُفَّاز:
ولم تتردد الخرطوم في التقاط القفَّاز بترحيبها الكبير بالخطوط الحمراء المصرية، وأعربت وزيرة شؤون مجلس الوزراء بحكومة الأمل، دكتورة لمياء عبد الغفار، عن ترحيب حكومة السودان بموقف مصر الواضح، وبالخطوط الحمراء التي أعلنتها القاهرة دعماً لوحدة البلاد ومؤسساتها، وأكدت الوزيرة وفقاً لموقع المحقق الإلكتروني ترحيب الحكومة بمبادرة جديدة تقودها مصر بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية، بهدف إيجاد حل للأزمة السودانية، مشيرة إلى أن الخرطوم استقبلت الخطوط العريضة للمبادرة بكثير من الارتياح، منوهة إلى أن المبادرة المصرية تندرج في إطار الجهود الإقليمية المبنية على مسار الآلية الرباعية، لافتة إلى أن رئيس الوزراء السوداني سيطلق مبادرة خاصة للسلام من داخل مجلس الأمن الدولي.
اتفاقية الدفاع المشترك:
وبطرحها الخطوط الحمراء، أعادت مصر إلى واجهة الأحداث ملف اتفاقية الدفاع المشترك التي كان قد تم التوقيع عليها في 15 يوليو 1976م، في عهد الرئيس السوداني الراحل جعفر محمد نميري، والرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، حيث شملت الاتفاقية ثمانية بنود أساسية تتعلق بالدفاع والتعاون الأمني والعسكري بين البلدين، غير أنها لم تُفعَّل بصورة عملية وواضحة على مدى عقود طويلة، ولم تُستخدم بشكل صريح في إطار التعاون العسكري الثنائي، ومع تصاعد التحديات الأمنية الراهنة، برزت دعوات جديدة، لا سيما في ديسمبر من العام الجاري 2025م، لتفعيل الاتفاقية، عقب مشاورات بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، في مؤشر على اتجاه سياسي لإحيائها كأداة ردع استراتيجية.
أهداف اتفاقية الدفاع المشترك
وتهدف اتفاقية الدفاع المشترك بين السودان ومصر إلى تحقيق جملة من الأهداف، أبرزها الدفاع المشترك عن الدولتين، باعتبار أي اعتداء مسلح على أحدهما اعتداءً على الآخر، مع الالتزام بالمعاونة الفورية، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية عند الضرورة، والتشاور وتبادل المعلومات في حال وقوع تهديدات مفاجئة، وتوحيد الخطط العسكرية لمواجهة المخاطر المشتركة، وتنسيق الجهود لتأمين الحدود المشتركة ومنع التهديدات الخارجية، بما يحفظ الأمن القومي المتبادل، والتدريب وتبادل الخبرات العسكرية بين القوات المسلحة في البلدين، بما يعزز الجاهزية والقدرات الدفاعية.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر.. فإن المواقف المصرية الأخيرة، تعكس انتقال القاهرة من مربع التحذير السياسي إلى تثبيت معادلة ردع واضحة في الملف السوداني، في ظل تشابك ملفات المياه والحدود والأمن الإقليمي، وهو ما يجعل اتفاقية الدفاع المشترك خياراً قائماً، وإن ظل مرتبطاً بحسابات دقيقة قد تتجاوز البعدين الثنائي والإقليمي.
