منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

حرب الخرطوم تلهب أسعار الإيجارات في الولايات الآمنة

0

أجبر القصف العشوائي بالمدفعية الثقيلة سكان مدينة أم درمان على النزوح الجماعي بعد وقوع أعداد من القتلى والجرحى وسط المدنيين، في المقابل تسببت المعارك بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” بضاحية العيلفون شرق الخرطوم في فرار مئات المواطنين، الأمر الذي خلف موجة نزوح جديدة وهجرة قسرية نحو الولايات بحثاً عن الأمان.

ويعيش الهاربون من ويلات الحرب قلقاً وإحباطاً في رحلة البحث عن مساكن بسعر مناسب، يحاصرهم من جانب آخر تزايد كلف إيجارات المنازل والشقق التي سجلت أرقاماً غير مسبوقة، وهي مرشحة للارتفاع أكثر بخاصة مع تدفق مئات النازحين بشكل مستمر، بينما تقل القدرة على توفير المبالغ المطلوبة بعدما بدأت أموال غالبيتهم في النفاد.

خيارات صعبة

المواطن محمد شريف اضطر إلى مغادرة منزله بالثورة الحارة التاسعة، بعد أن شهدت مدينة أم درمان إطلاق قذائف مدفعية ثقيلة بصورة يومية، ما أدخل الرعب والخوف لدى أسرته. وعقب رحلة شاقة، وصل إلى مدينة ود مدني بولاية الجزيرة جنوب الخرطوم، وهناك حالفه الحظ في الحصول على شقة سكنية استأجرها بمليون جنيه سوداني نحو (1400 دولار أميركي)، لكن الأب لثلاثة أطفال وجد نفسه محاصراً بعد إصرار مالك العقار على مضاعفة قيمة الإيجار مرتين، مستغلاً في ذلك توافد النازحين السودانيين إلى المدينة”.

رفض شريف ذلك خصوصاً أن “الشقة لا تستحق ذلك”، مما دفع مالكها إلى مضايقة العائلة لإجبارها على الرحيل والبحث عن مكان آخر من أجل الاستقرار بشكل نهائي.

يروي المواطن السوداني معاناته مع أزمة السكن، إذ يقول “على مدى أسبوع لم أحصل على منزل بسعر مناسب واضررت إلى اختيار مدينة ريفية في ولاية الجزيرة تتوافر فيها خدمة الكهرباء والمياه فقط، لكن كلفة الإيجار كانت أعلى من المتوقع ووصلت إلى 750 ألف جنيه سوداني نحو (1000 دولار).

“جشع واستغلال”

تعرض منزل مريم حسن، وهي ربة منزل تقيم في منطقة الجرافة بأم درمان، لقصف عشوائي دمره كلياً، فانتقلت إلى مدينة عطبرة شمال الخرطوم، وبعد بحث مضن وجدت شقة سكنية مقابل 800 ألف جنيه حوالى (1000 دولار)، لكنها صدمت بعد أسبوعين حين طالبها مالك العقار بزيادة السعر إلى مليون و200 ألف جنيه نحو (1500 دولار أميركي)، وهي تخشى من فكرة الانتقال إلى منزل جديد في حي مختلف وإنفاق كل مالها تقريباً على السكن.

تشير حسن إلى أن “اكتظاظ المدينة بالنازحين جعل أسعار المساكن ترتفع بصورة جنونية، بخاصة بعد تزايد الطلب عليها بشكل شبه يومي”، ووصفت أوضاع الآتين من ولاية الخرطوم بـ”الصعبة والمعقدة في ظل عدم توافر المال بسبب توقف الأعمال اليومية منذ ستة أشهر، فضلاً عن معاناة الموظفين في القطاعين العام والخاص من أزمة صرف رواتبهم”.

وأضافت أن “استغلال أصحاب العقارات غير مسبوق، في وقت يصعب التدخل لإلزامهم على تقاضي الحد الأدنى من سعر الإيجار، فالسلطات الرسمية شبه غائبة، كما أن تنفيذ القانون مهمة عسيرة في فترة الحرب، بالتالي بات المواطن البسيط يدفع الثمن تشرداً واستغلالاً وأزمات لا تنتهي”.

ليست مدينتا ود مدني وعطبرة فقط من وجد فيهما الفارون من ويلات الصراع المسلح عناءً ومشقة كبيرتين في الحصول على مساكن يأوون إليها. ففي مدينة بورتسودان شرق السودان، كان الوضع أكثر سوءاً، إذ يروي المواطن حمد الخير تجربته الشخصية مع إيجار شقة سكنية، قائلاً “أقدامي حفيت في رحلة البحث، وبعد جهود كبيرة عُرضت علي شقة مفروشة مقابل مليون و500 ألف جنيه نحو (2000 دولار)، وعند ذهابي إلى رؤيتها للاتفاق مع صاحبها، فوجئت بأنها عبارة عن غرفة واحدة قُسمت إلى نصفين تفصلهما ألواح خشبية. وعلى رغم هذا السعر الخيالي، يعاني الحي السكني من أزمة خانقة في مياه الشرب مع انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة”.

ووجه الخير انتقادات لاذعة ضد أصحاب المنازل والشقق، واصفاً إياهم بـ”تجار الأزمات الذين يستغلون حاجة المواطنين من دون مراعاة ظروف الأسر الاستثنائية العصيبة التي تركت كل شيء وفرت للنجاة، لكنها فُوجئت بجحيم من نوع آخر”.

وتابع المتحدث “الزيادات التي عرفتها أحياء مدينة بورتسودان لم تقتصر على المناطق الفاخرة أو المتوسطة، بل طاولت حتى الشعبية منها مع قرار فئات واسعة الانتقال إليها لانخفاض الأسعار بها مقارنة بأحياء أخرى، مما تسبب في تضخم الإيجارات بها أيضاً”.

طلب متزايد

وفي هذا الصدد يقول جمال سعيد يعقوب، وهو صاحب مكتب لبيع وإيجار العقارات، إن “الطلب على المنازل والشقق السكنية في المدن الآمنة متزايد، ولا يمر يومان على رحيل عائلة حتى تأتي أسرة جديدة. وبحسب حركة السوق، فإن غالبية المستأجرين أتوا من ولاية الخرطوم أو منطقة العيلفون بسبب الحرب وتصاعد القتال”.

وأضاف “بعض المناطق باتت مركزاً تجارياً ومقراً للمسؤولين كما هي الحال في مدينة بورتسودان، التي تكتسب أهميتها من خلال نقل مؤسسات الدولة لتباشر مهامها منها، فضلاً عن توافر الخدمات التي تقدم للمواطنين، لا سيما عمل وكالات السفر واستخراج التأشيرات أو توثيق الشهادات للطلاب ومن ثم العبور خارج البلاد، نظراً لأنها تشكل نافذة للتواصل مع العالم عبر مطارها أو الميناء البحري”.

ولفت يعقوب إلى أن “أسعار الإيجارات في عاصمة ولاية البحر الأحمر ارتفعت خلال أكتوبر (تشرين الأول) الجاري ثلاث مرات، وبلغ إيجار الشقة الشهري 2 مليون جنيه نحو (2700 دولار)، أما إيجار اليوم الواحد فوصل إلى 70 ألف جنيه (100 دولار)، وبالنسبة لأجرة الفنادق فهي بحسب الدرجة”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.