كيف صنعت إسرائيل روايتها لتبرير اقتحام مستشفى الشفاء؟
لم يكن خفياً لمن يتابع تطورات الأحداث بعد هجوم حماس على إسرائيل ورد الأخيرة بشن عملية برية في القطاع، وتصريحاتها المتواصلة بأن حركة حماس تستخدم المستشفيات مراكزاً لعملياتها بأن جيش تل أبيب لن يتأخرعن اقتحام المستشفيات والمدارس وحتى رياض الأطفال وما يتطلبه الأمر للقضاء على الحركة ووجودها في القطاع.
كان ملفتاً للنظر ما قدمته الإدارة الأمريكية من دعم واسع النطاق لادعاءات إسرائيل
وبحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” يؤكد المسؤولون الإسرائيليون منذ أسابيع، دون أن يقدموا سوى القليل من الأدلة العلنية، على أن حماس لديها مركز قيادة أسفل مستشفى الشفاء في غزة ليصبح المشفى هدفاً عسكرياً مشروعاً بعيداً عن كونه ملجأ لآلاف المرضى المذعورين والأطباء المثقلين بالعمل والمدنيين النازحين.
عملية محددة
بعد ساعات من دعم المسؤولين الأمريكيين لادعاءات إسرائيل حول النشاط المسلح في مستشفى الشفاء، داهمت القوات الإسرائيلية المكان فيما وصفه الجيش بأنه “عملية دقيقة وموجهة ضد حماس في منطقة محددة”. وقال العاملون إن الجنود مروا بغرفة الطوارئ وبوحدة أمراض القلب، بينما سُمع دوي طلقات نارية في مواقع مكتظة بالجرحى.
جاءت العملية العسكرية الإسرائرائيلية والتي جرت في وقت متأخر من لليل الثلاثاء، 14 نوفمبر (تشرين الثاني) تتويجاً لأسابيع من رسائل المسؤولين الإسرائيليين حول تسلل حماس المزعوم إلى المستشفيات في غزة ودس “السم بالعسل” في عشرات المؤتمرات الصحفية والمقابلات الإعلامية، التي أكد المسؤولون الإسرائيليون مراراً وتكراراً خلالها أن المرافق الطبية تُستخدم لأغراض عسكرية، وأن مستشفى الشفاء على وجه التحديد هو “القلب النابض” للبنية التحتية لقيادة المجموعة العسكرية في شمال غزة.
وعرجت الصحيفة بذكر أن المستشفيات تتمتع بوضع محمي بموجب القانون الإنساني الدولي، ولا تفقده إلا في الظروف التي يتم فيها استخدام المنشأة من قبل أحد الأطراف المتحاربة. وحتى إن تم التجاوز الأخير تبقى رعاية المرضى ذات أهمية قصوى.
“أدلة دامغة”
استعان الجيش الإسرائيلي في “أدلة الدامغة” على حد تعبيره بنشر مقطعي فيديو وبعض الصور، الأربعاء، 15 نوفمبر (تشرين الثاني) من مستشفى الشفاء تظهر ما قال إنها أسلحة حماس ومعدات أخرى تم انتشالها من داخل المستشفى ويبدو أن غالبية مقطعي الفيديو قد تم تصويرهما داخل وحدة الأشعة بالمستشفى، وتقع بجوار غرفة الطوارئ، في المقطع الأطول، يقوم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي جوناثان كونريكوس، بجولة في لقطة واحدة للمبنى، ويتوقف بشكل دوري لإظهار المكان الذي قال إن حماس قد أخفت فيه “حقائب السفر”!.
واعتبر أحد كبار المستشارين في مجموعة الأزمات الدولية والمستشار القانوني السابق في وزارة الخارجية الأمريكية بريان فينوكين: “لا يبدو أن هذه الأسلحة في حد ذاتها تبرر التركيز العسكري (الإسرائيلي) على مستشفى الشفاء، حتى لو وضعنا القانون(الدولي والإنساني) جانباً”. وذكرت في ذلك الأثناء إذاعة الجيش الإسرائيلي أن القوات العسكرية لم تعثر على أي علامة على وجود رهائن في الموقع وصدر لاحقاً العثور على جهاز يحمل داخله لقطات للرهائن.
في المقابل نفى الأطباء وغيرهم من العاملين في المنشأة بشدة استخدامها لأغراض عسكرية وقال الدكتور أحمد مخللاتي: “أنا وزملائي لن نعرض حياتنا للخطر لأن هناك شخصاً يحمل سلاحاً.. لا يوجد سوى مدنيين هنا” بالإشارة لمستشفى الشفاء.
كما أظهر تدفق مستمر من الصور ومقاطع الفيديو والملاحظات الصوتية انهيار المستشفى منذ بداية الحرب حيث تحولت الممرات إلى غرف عمليات، وتم إجراء العمليات الجراحية دون تخدير، وتم إجبار الأطفال على الخروج من حاضناتهم وعندما نضب وقود المولدات وانطفأت الأضواء، اضطر الأطباء إلى اتخاذ قرارات مؤلمة بشأن من يجب إنقاذه.
ولأسابيع، حثت إسرائيل المدنيين والطواقم الطبية على إخلاء مخيم الشفاء وبينما استجاب آلاف النازحين للنداء، وقاموا بمسيرة طويلة جنوباً، رفض الأطباء ترك مرضاهم فيماأفرغت مستشفيات أخرى، لم تعد قادرة على تقديم الرعاية، في الأيام الأخيرة، بما في ذلك مستشفى الرنتيسي للأطفال، حيث نشر الجيش الإسرائيلي مقطعي فيديو وخريطة قال إنها تدعم مزاعمه حول استخدام المستشفيات كمخابئ للمسلحين.
دعم واسع النطاق
وبحسب الصحيفة كان ملفتاً للنظر ما أعرب عن مسؤولون أمريكيون عن دعم “واسع النطاق” لادعاءات إسرائيل بشأن المستشفيات، لكنهم تجنبوا الخوض بالتفاصيل بحسب ما صرح مستشار الأمن القومي جيك سوليفان لشبكة “سي.إن.إن”.
وبعد تصريحات بايدن عن ضرورة “حماية المستشفيات” تغير خط الإدارة الأمريكية بالقول إن “لديها معلومات تؤكد أن حماس تستخدم هذا المستشفى بالذات مركزاً للقيادة والسيطرة”، وبحسب المتحدث باسم الأمن القومي جون كيربي، للصحفيين على متن طائرة الرئاسة، مستشهداً بمعلومات استخباراتية رفعت عنها السرية قال: “هذه جريمة حرب”” وبعد هذا التصريحات بساعات قليلة اقتحمت القوات الإسرائيلية المستشفى مدججة بكافة أنواع الأسلحة.
وذكر بعض الخبراء للصحيفة أن “استراتيجية إدارة بايدن” بأنها ملفتة للنظر موضحين أن خروج الولايات المتحدة ورفع السرية عن المعلومات الاستخبارية قبل عملية عسكرية محتملة أو تبرير تلك العملية بطريقة ما كان أمراً غير عادي إلى حد كبير” تزامناً مع أصرار الحكومة الإسرائيلية على أن العملية داخل مستشفى الشفاء تم تنفيذها وفقاً للقانون الدولي معللة ذلك بأنها أعطت تحذيراً مسبقاً لحماس بضرورة إخلاء أي مواقع داخل المستشفى.