منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

بابكر إسماعيل يكتب: *التثليث .. معضلة الجيش السوداني*

0

ألسنة وأقلام

٣١/ ١/ ٢٠٢٤

وقع على عاتق الجيش السوداني أن يتولى مسئولية الحكم والسياسة وإدارة الحرب والسيادة في آن واحد وهذه معضلة كبري لم يتهيأ لها الجيش.. وهي مثل ثالوث النصارى المقدّس (الآب والابن والروح القدس).

عندما انقلب ابنعوف في ١١ أبريل ٢٠١٩ على قائده الأعلى كانت الحاضنة الشعبية المؤيدة للانقلاب على خصومة تاريخية مع الجيش وكانوا يطالبون بعودته للثكنات ويصفونه بأقذع الألفاظ من شاكلة “الجيش مغتصب النساء” الخ .. وكان التيار الذي يساند للجيش تاريخياً على الضفة الأخرى مسردباً ..

اختار مندوبو وسماسرة احتجاجات ديسمبر ٢٠١٨ الفريق أول البرهان ليكون قائداً للجيش ورئيسا لمجلس السيادة المختلط وفق تقديرات رأوها وربما للرجل ميزات تفضله على غيره من جنرالات الجيش وقادته .. وقد رأينا الفريق البرهان في تلك اللقطة الشهيرة وهو يقف وسط المعتصمين حول مقرّ قيادة الجيش السوداني ويظهر معه في نفس الصورة السيد إبراهيم الشيخ أحد قادة تحالف قوي الحرية والتغيير (قحت(ط)) وعضو مجلس الوزراء الانتقالي (أغسطس ٢٠١٩ – أكتوبر ٢٠٢١).

الجيش العريق .. يميني الهوى والهوية وقحت والغة في هوى قبائل اليسار بشغف شديد بما في ذلك ممثلو حزب الامة العريق المتطرفين في العلمانية وكراهية الإسلاميين.

رفعت حكومة الإنقاذ من شأن الجيش وواصلت مسيرة التمكين الاقتصادي للقوات المسلحة التي ابتدأت في عهد الرئيس الأسبق الراحل جعفر نميري في العهد المايوي عندما أسس المؤسسة العسكرية الاقتصادية وطنت حكومة عمر البشير التصنيع الحربي ومكنت الجيش اقتصادياً واستثمارياً – حيث أقامت شركات ومشاريع استثمارية ضخمة مثل مشروع زادنا وسارية الصناعية وغيرهما .. كذلك امتلك الجيش قمراً صناعية وجامعة وصار التخرج من الكلية الحربية لا يقل عن التخرج من الجامعات ..
ومن سقطات الإنقاذ التي لا تغتفر إشاء قوات الدعم السريع علي أسس قبلية فكان عظم ظهرها مقاتلي قبائل العطاوة وعربان الشتات والصحراء ولم تكتف بذلك بل مكنتهم اقتصادياً (بتخصيص مواقع تعدين الذهب مثل جبل عامر وغضّ طرفها عن تهريبهم له عبر مطار الخرطوم لتسويقه في الأمارات تحديداً) ويسّرت الإنقاذ للدعم السريع إقامة علاقات إقليمية مباشرة (مع عواصم عاصفة الحزم) ودولياً (مع الاتحاد الأوربي عبر برنامج مكافحة الهجرة غير الشرعية)؛
وكانت نتيجة كلّ ذلك أن اشتد ساعده فرمى أول ما رمى الجيش الذي أنجبه ورعاه وحاولوا اغتيال قائده يوم ١٥ /٤ /٢٠٢٣ ودمّروا مقاره واحتلوا معسكراته وقواعده الأرضية والجوية ومصنع اليرموك الحربي ..
وكان قائد الجيش ساهياً لاهياً يوادّ قوات الدعم السريع وقائدها وسمح لها بالتوسّع الأفقي والرأسي والتسليح النوعي واختراق أنظمة حماية المواقع السيادية والسيطرة عليها لا ندري لمَ فعل ذلك ولعلّه ظنّ أن يكون الدعّامة ترياقاً له من انقلابات الجيش وتقلّبات مزاجه ..
وعندما اندلعت حرب ١٥ أبريل كان أداء الجيش في أشهر الحرب الأولى ضعيفاً ولا يزيد عن الدفاع عن قواعده ومقرّاته .. ولم يحسن ذلك كثيراً ففقدوا بعضاً منها في العاصمة ومدني ودارفور ..
وتلكأ قائد الجيش في الدعوة للاستنفار وتسليح المقاومة الشعبية .. إلى أن تكاثرت الظباء على خراش .. ووصلت قواته إلى مرحلة “يا خراشي” ..
فقد سقطت مدني وهي في أوجّ قوتها وقد غصت أرجاؤها بعسكرها وأطّت من وطء أبواتهم .. ولم يُعرف سبب سقوطها حتى الآن ولا نتائج التحقيق مع قائد الفرقة الذي هو لا أحمدَ ولا طيّباً ..

غضّ الجيش لبضعة أشهر الطرف عن ما دعم الأمارات اللوجيستي للمليشيا عبر قاعدة أم جرس العسكرية شرقي تشاد ..

وكما قال عباس العقاد:
أحياءً ما أرى أم تغاضياً ..؟

وبعد أن شارك المستنفرون في المعارك وأظهروا قوتهم شجّع ذلك الجيش للخروج من ثكناته وللهجوم على مليشيا الحرامية بعد طول غياب .. وما زالت قواتنا تحقق التقدم والانتصار تلو الانتصار .. وانزوت المليشيا تلعق جراحها وتستميت في الدفاع عن المواقع التي تسيطر عليها أو نشرت فيها القناصين ..

سيكون من الصعب على جيشنا والحرب لم تضع أوزارها بعدُ أن يركّز في معركته العسكرية وفي نفس الوقت يتابع الشأن السياسي والدبلوماسي داخل وخارج السودان ويمارس الدور السيادي ..

هذا الوضع الشائك جعل السيد البرهان ومساعديه من الجنرالات في وضع سيء فمن ناحيةٍ هم قواد عسكريون يقودون حرباً للدفاع عن السودان ضد هجمة بربرية غاشمة مدعومة بدول إقليمية وأطراف دولية ويقف من خلفهم كل الشعب إلا قلة من المارقين .. وهنا يحق لنا أن نصف قادة الجيش وجنودهم بأنهم أسود ويقودون أسوداً .. ولكن عندما يمارسون السياسة فيحق لنا أن ننتقد أداءهم الساسي – فساستنا ليسوا فوق النقد هم وخياراتهم السياسية – ونستطيع أن نصفهم بما نراه من أوصاف بلا حرج ..
وفي نفس الوقت لا يمكننا الحطّ من شأن البرهان وأعضاء مجلس السيادة وهم يؤدون دورهم السيادي ويمثّلون بلادنا في المحافل الإقليمية والدولية وفي التعامل مع العالم الخارجي .. ولكن يمكننا الاعتراض عليهم إذا لبسوا طاقية الإخفاء السياسية وجلسوا يتفاوضون سرّاً مع المليشيا المجرمة بتوجيه من مندوبي دويلات الشرّ وفي نفس الوقت يموت جنودهم في ساحات الفداء عن السودان وأهله ..
ونرجو من جنرالاتنا الكف عن ممارسة عقيدة الثالوث في حكم السودان ويكفوا عن خلط السيادة والسياسة والقتال وأن يقتصروا على أداء مهامهم الدستورية في الدفاع عن السودان أرضاً وشعباً ومقدرات ويقتصر عملهم على ما يتقنون من فنون القتال التي انتدبهم الوطن لأدائها ويدعوا الخبز لخبّازه في السياسة والسيادة والدبلوماسية ففصل السلطات هي من أسس الحوكمة الحديثة التي تبنتها دول العالم المتحضّر
ولات حين كباشٍ …

وننتظر الآن إعلان حكومة حرب نتشوق جميعاً لرؤيتها لتتولّي الملف السياسي .. وتضع عن جنرالاتنا إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ليتفرغوا لجغم العدوّ ..
ونرقب الإعلان عن قيام مجلس للأمن والدفاع يتخذ القرارات الاستراتيجية ويصوّب عمل القوات المسلحة ويقوم أداءها ..
وفي ظل الفوضى الدستورية التي يمرّ بها السودان إذ جُمّد دستور ٢٠٠٥ ونُحكَم حالياً بوثيقة دستورية عدّلها قائد الجيش وجمّد كثيراً من موادّها فإننا نقترح العودة لدستور ٢٠٠٥ وتكوين مجلس عسكري يفوّض صلاحياته السيادية لرئيس مدني يؤدّي أعباء رئاسة الجمهورية بالوكالة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.