د. ليلى الضو أبوشمال تكتب : *متى تكون الرؤية سودانية*
يقولون في المثل الفاضي يعمل قاضي، وحيث أن الشعب السوداني يعاني من الفراغ الإجتماعي الذي يسببه له فقد بيته وأفراد من أسرته واغتراب واحتراب ، تجدنا نحاول أن نتلمس مداخل لنسير بها في تلك العتمة، ووجدت نفسي أشاهد حلقة من حلقات الوراق والذي كانت تبثه قناة سودانية 24 ويقدمه الأستاذ غسان علي عثمان، وكان عنوان الحلقة سياحة في كتاب( الرؤية السودانية /إنتاج الفشل/ لماذا نحن هنا )لكاتبه الدكتور الطبيب عمرو عباس محجوب وعنوان الكتاب آثار الفضول في نفسي التي حدثتني بأن أجزاء هذا العنوان الثلاثة كان يجب أن تكون كل كتاب لحاله، والدكتور الطبيب الذي عمل بمنظمة الصحة العالمية أراد من خلال نقاش المذيع معه أن يوضح فكرته من الكتاب الذي أشار بحديثه إلى فشل السودان في تقديم رؤية يحكم بها السودان، وحقيقة لم أتمكن من الحصول على الكتاب والاطلاع عليه إلا أن الحوار الذي دار في الحلقة كفيل أن يعرفك محتواه، وربما الطبيب الذي دائما ما يستعمل المشرط لمعرفة أماكن الألم قد مارس مهنته بتشخيص حال السودان وطاف بتاريخه المرضي منذ عهد عبود وإلى نميري والبشير و(الحالة الواتسابية ) التي كان عليها فترة تسجيله للحلقة و التي أعتقد أنها في عام 2021م، وقبلهم أشار لعهود الاتراك والمهدية والحكم الانجليزي، وكان مثله مثل سياسيي بلادي يعرفون كيف يحللون ويطرحون المشاكل ومعرفة الجراح التي تصيب جسد السودان المنهك، الا أنهم حقا لم ينجحوا في ايجاد حلول ومعالجات ووضع النموذج الذي يصلح أن يكون نبراسا للخروج من النفق الذي وجدنا أنفسنا فيه، وأشار دكتور عمرو إلى نموذج كوريا التي نجحت عبر النموذج التعليمي وإغلاقها لحالها لخمس سنوات حتى تزيد من معرفة الشعب وتعليمهم، واستثمرت بهم وفيهم ، كذلك أشار إلى تجربة ماليزيا وجنوب افريقيا والهند و كأننا اذا طبقنا هذه التجارب سوف ننجح في تحقيق النهضة التي تحدث عنها ، وأبان الفروقات بينها وبين التنمية، ولكن لم يضع في اعتباره أحوال السودان وطبائع شعبه وتنوع بيئاته نحن دائما ما تظلمنا المقارنات وتهزمنا ،، وبالتأكيد ليس تجاهلا منه ولكنه غفل عن ذكرها، ولكني أراها معوقا أساسيا لعملية النهضة فهي عملية متكاملة لا تتجزأ من منظومة الرؤى الأخرى ، أمر آخر يقف حائلا بيننا وبين الإستقرار والوفاق السلمي والأمني وهو أيضا من الأهمية بمكان وهو أننا لسنا من يملك قرارنا ، وهذا افراز بدأ جليا وهو الآن ما يؤخر كل تقدم لهذا البلد ، الأجندات الخارجية هي المقود الذي يدير عملية صيرورة الحاكمية في السودان وربما ذلك ما يجيب على سؤال الكاتب في الجزئية الأخيرة من عنوان الكتاب وهي لماذا نحن هنا، والذي أشار إليه أيضا الكاتب من خلال حديثه أنه يرى أن السودان طيلة عهوده السابقة أفتقد لوجود رؤية وما يحدث فيه كان صراع سياسي لا وجود لاتفاق حوله، ورغم أنه في بداية حديثه أشار إلى أنه لم يسرد التاريخ وليس بصدد الحديث عن تاريخ السودان الا أنه لم يخرج بحلول تخرج السودان من هذا النفق الضيق والإجابة على سؤال كيف يكون الخلاص وما هي الرؤية التي يمكن وضعها والالتفاف حولها ولا من هم الموكلون على ذلك؟
من الواضح أننا لا نستطيع أن نخرج من عباءة الانتماءات التي تجعلنا ننظر إلى الأمور بعين فاحصة تبعدنا عن أي ولاءات وتجعل النظر إلى الواقع بعين مجردة تنزع التحيز والولاء للجزء من أجل الكل ، ولعله صدق في قوله بأن المنطقة العربية لا تؤمن بأهمية البحوث في صياغة طرق تنموية ، فالسودان الآن في حاجة إلى جهود تكاملية ولكن ذلك لن يتم طالما أن ذلك لو حدث يبعد أصحاب المطامع والغايات عن مراميهم وسعيهم المحدودة مقارنة بالمصلحة الكلية.
وتجدني لازلت أدور في فلك أن أزمتنا الحقيقية في النخب والمثقفين بالمجتمع الذين ينظرون بزاوية (حادة) وليست( قائمة) و الذين يرون أن ( المربع) أعمدته أربعة غير متساوية الأركان ، وأن الإنحراف المعياري يجب أن يكون أقل من متوسط المسافة بين الوسط الإجتماعي ونقاط البيانات الفردية للمجتمع،،، لا زلنا في حاجة لنقطة ارتكاز يجتمع حولها الشعب بأطيافه المتنوعة ويكون التشتت في وجهات النظر أمر لا يفسد للود قضية .