اللواء (م) مازن محمد إسماعيل يكتب: *بعيداً عن نسونة المجتمع ، قريباً في اتجاه الحق*
١١ أبريل ٢٠٢٤م
عندما تبلغ الأنثى وهي جنين أسبوعها العشرين في رحم أمها يكون عدد البويضات Egg Cells التي تحملها حوالي سبعة ملايين بويضة ، ولكن ينخفض هذا العدد عند ولادتها ليصل الى حوالي مليوني بويضة ، ثم يتضاءل هذا المخزون لدى وصول الأنثى لمرحلة البلوغ وبداية دورة الطمث (الحيض) Menstruation ، ليصبح حينها لدى الأنثى ما بين ٣٠٠ ألف إلى ٥٠٠ ألف بويضة *(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)* ، بينما قد يصل انتاج الذكر من النِّطاف (الحيامن الذكرية) Sperms إلى ٢٠٠ مليون نطفة في كل واحد مليلتر من سائل النطاف Seminal Fluid ، وقد يظن البعض أن دفقة سائل نطاف واحدة تكفي لتلقيح كل أنثى خصبة على ظهر الكوكب ، ولكن ذلك غير صحيح لأكثر من سبب ، وإحدى هذه الأسباب أن حجم البويضة الواحدة Egg Cell يعادل مائة ألف مرةٍ حجم النطفة الذكرية Sperm.
حتى سنواتٍ قليلةٍ مضت كان العلم يظن بأن عملية التخصيب ترتكز على فوز الأسرع والأقوى من الحيامن الذكرية ، ولكن مؤخراً تأكد يقيناً بأن الكلمة الأخيرة تبقى للبويضة في تحديد الذي ترضاه من الحيامن الذكرية والتي تقع تحت تأثير ما يُسمَّى بالجاذبات الكيميائية للبويضة Chemoattractants ، وقد اندهش العلماء في جامعة ستوكهولم من قدرات البويضة الانتقائية جداً في الاختيار ، والتي قد ترفض أحياناً اختيار كل الحيامن الذكرية لشريكها ، بينما قد تجذب إليها حيامناً من شخصٍ آخر ، *{كُلࣱّ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِیحَهُۥۗ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِمَا یَفۡعَلُونَ}* ، وعملية الاختيار هذه ينبني عليها التوافق الجيني للإخصاب (MHC) Major Histocompatibility Complex ، وقد كشفت حاكمية الاستطابة للبويضة هذه النقاب عن جانبٍ كبيرٍ من الغموض الذي كان يُطلق عليه العقم الغير مُسوَّغ Unexplained Infertility.
قد أصبح اليوم جلياً أن كثافة الانتاج للحيامن الذكرية ليست ذات قيمةٍ أمام انتقائية البويضة التي كفل الله سبحانه وتعالى لها اختيار ما تستطيبه ويناسبها من مئات الملايين التي تتسابق على أن ترتقي لمستوى ذوق البويضة ، والتي لا تقدم أي تنازلات عن المستوى الغامض الذي ترتضيه وتستطيبه ، بل إن دقة الاستطابة ودرجة الاعتداد لدى البويضة كثيراً ما تجعلها ترفض كل من تقدم لها من الحيامن البشرية فتحيض أو تغيض *{ٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِیضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ وَكُلُّ شَیۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ}* ، وإن كل العجرفة الذكورية تجاه الأنثى لتتهاوى حسيرةً إزاء الإباء والشَّمَم الذي أودعه الخالق في تكوين هذا الكائن العزيز *{وَلَیۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ}.*
الحرية هبة الله للإنسان ، فلا يحاول سلبها إلا جاهلٌ جاحدٌ مكابر *{وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِی ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِیعًاۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ یَكُونُوا۟ مُؤۡمِنِینَ}* ، والإنسان (ولا سيما الأنثى) كائنٌ شديد الاعتزاز والكرامة والاعتداد ، والخالق عزّ وجل قد ارتقى بالإنسان إلى درجاتٍ رفيعةٍ من الإحسان في الخَلْق ، وكان من رحمته سبحانه أن أرسل لنا الآيات تتراً وعشراً على أن ما يكتسبه الإنسان باللطف يفوق كثيراً ما قد يحوزه بالعُنف *{وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ}* ، ورغم ذلك فإن كثيراً من الناس يأبى على نفسه وغيره الكرامة والإحسان ، فيأبى إلا أن يُنَكَّس في الخَلْقِ ويَرتَكِس في الخُلُق.
إن حرية الاختيار ، ودقة الاستطابة ، وشدة الإدراك ، وقوة الإرادة ، والاعتزاز بالاستقلال ، وصرامة القرار ، ومستوى الاعتداد والكرامة التي تتمتع بها البويضة .. يفتقدها الكثير من الناس في حياتهم اليومية ، وفيما يضطلعون به من مسئوليات ، ويزداد تقزُّمهم أمام البويضة حين يعجزون عن أن يغيضوا عندما يستنفدون بالفشل كل الخيارات.
*تباركت أعيادكم ورياحينكم*