د. التبري حسين الإمام يكتب : *حرب الخرطوم وتقاطع المصالح وحديث السفيرة*
في محاولة متعمقة بعض الشي دعونا نحاول شرح طبيعة حرب الخرطوم التي اندلعت في أبريل من العام الماضي بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع وشكل الملعب السياسي والعسكري الذي سبق اندلاع الحرب والذي بات عليه واقع الحال الان حتي نقارب بين المواقف والتداعيات…
دعونا نتفق علي ان الحرب عبرت عن صراع وجودي سلطوي لطرفي الحرب وداعميهم..
كان انقلاب الدعم السريع الذي تلاقت فيه رغبات قيادة الدعم السريع الطامعة في السلطة مع رافعة إقليمية طامعة في الموارد السودانية والثروات بجانب التخلص من تيار الإسلام السياسي الذي ظل عصيا علي جميع محاولات الابتزاز .. تكاملت هذه الاجندات مع اجندة الأحزاب المكونة لقوي الحرية والتغيير الذين فقدوا الأمل في حيازة السلطة عبر الاتفاق الاطاري او فرض دستور المحامين.. هذا في جانب مكون الدعم السريع..
في جانب مكون الجيش فقد ظل الحديث المزعج الذي ظل يردده السياسيون المدعومون إقليميا ودوليا عن إعادة بناء المؤسسة العسكرية و تجريدها من قواها الإقتصادية وقدرتها الفنية هدفا للسيطرة عليها وذلك يعني السيطرة علي اخر مؤسسة ظلت متماسكة قبل وبعد حكم الرئيس البشير الذي اطيح به في العام 2019م عبر ثورة شعبية
مثل بعض الإسلاميون الخارجون عن المؤسسات.. جزءا من وقودها.. في ظاهرة غريبة علي التنظيمات العقائدية التي عرفت بإدارة شؤنها السياسية والعسكرية خلف الأبواب المغلقة وعبر العمل المؤسسي.. هذا كله جعل الجيش يكون سباقا من وقت مبكر في التكتيك والمناورة واعداد نفسه لحرب طويلة محتملة.. كان يعلم طريقة إدارتها وطريقة المحافظه فيها علي مؤسسة الجيش والخروج منها بأقل الخسائر.. حسب العلوم العسكرية تحييد قدرات العدو وتأخير امر المحافظة علي الارض.. الي حين.. ذلك كله يجعلنا نقر حقيقة ان اسباب اندلاع الحرب كانت سياسية بغرض السيطرة علي الحكم والموارد.. ووجودية باجتثاث الجيش وتيار الإسلام السياسي وهو تيار مؤثر ظل عصيا علي جميع محاولات الابتزاز والتدجين بل مثل عقبة كوود امام جميع الخطط الرامية الي السيطرة المحلية والاقليمية علي وعي الشعوب.. والمضي بها نحو التطبيع بكل أشكاله السياسية والعسكرية والثقافية والإجتماعية.
مهم الإشارة الي ان ماذكر جعل الحرب الخيار الأوحد امام الجميع.. وقد جري اعداد الملعب بذكاء لهذه الحرب خلال الاربعة سنوات التي سبقتها.. كانت سنوات تحضير تمثلت مظاهرها في نزع هيبة الدولة والحد من قدرات الأجهزة الأمنية وتقليص تفويضها عبر تعديل القوانين مما غل يد الأجهزة في القيام بمهامها بل جعلها زاهدة في العمل وزاهدة في فرض هيبتها التي تعني في المقام الأول هيبة الدولة ..
كل مؤسسات الدولة سكنها الخراب المتعمد .. أوقف الإنتاج والمشروعات والخدمات الصحية العلاجية غاب الأمن والطمأنينة تم ضخ اخبار منتظمة عبر جميع الوسائط الإعلامية عن النهب والسلب في شوارع الخرطوم مدعومة بمقاطع الفيديو 9 طويلة ووووالخ.. هذا الي جانب المظاهرات المتجددة التي تكاد لاتهداء وجداول التصعيد اليومية .. بذلك تم انضاج الظروف تماما.. للانقضاض علي الدولة أضف لذلك الاجندة الخاصة التي كانت تقوم بتنفيذها الالية الرباعية.. مدعومة من البعثة الاممية بقيادة فولكر من خلال التقييم السالب والعزل المتعمد لبعض الأحزاب السياسية التي لاتتوافق مع مخططهم الرامي لابتلاع البلاد.
هذا الواقع جعل عدد من الاجندات المحلية والاقليمية والدولية تعمل بنشاط حتي اوشكت السيادة الوطنية علي الضياع حيث لم يتبقي منها الا مسميات بائسة مهترئة شكلت هياكل الحكم ..
بموجب كل ذلك اندلعت الحرب.. السياسية الوجودية التي استطاع الجيش والشعب السوداني افشال اهدافها.. منذ الاسبوع الأول.. الان وبعد مضي مايقارب العام يجري البحث مقاربة للحل ربما تمثل حد ادني يمكن من الدفع نحو الاستقرار بالرغم من الانتهاكات الواسعة لحقوق المواطنين التي قامت بها قوات الدعم السريع من احتلال المنازل و اغتصاب ونهب لممتلكات واستباحة القري الآمنة التي لاتمثل باي درجة هدفا عسكريا مبررا .. هذا الاستقرار المنشود للمحافظة علي مصالح جميع الأطراف التي اشعلت الحرب؟! ..
لذلك تجري الان تسوية بين جميع هذه الأطراف وهذا سيظهر في اتفاق وقف الحرب القادم والذي بدأت بعض ملامحه في الظهور.. حيث يعلم الجميع قد ظلت هناك سيطرة أقرب الي اتفاق غير معلن حتي لاتنتهي الحرب بالضربة القاضية باي حال لان ذلك كان سيزيد خلط الأوراق.. لذلك سوف يتم تدرج في انهاؤها مثلما تم التدرج في اشعالها؟
وذلك حسب استيفاء الاجندات الآتية.. للحد الادني من المكاسب لجميع الأطراف التي باتت محاصرة بمتغيرات جديدة علي مستوي الإقليم.. والعالم.. هذا بجانب المتغير الأهم الذي يزداد قوة وتجذر كل يوم وهو المقاومة الشعبية المسلحة..
الاجندات نختصرها في أجندة..
فرنسية أمريكية تهدف لإخراج عرب الشتات من مناطق النفوذ الفرنسي إلى مصيدة الخرطوم ومازال هذا البند عاملا يزيد أمد الحرب.. وقد راج حديث في الوسائط الاكترونية عن تحشيد جديد يجري لإعداد قوي بديلة عن الدعم السريع بدعم وتنسيق فرنسي إماراتي وربما تتمدد هذه القوات لتنفيذ اجندات رديفة لاجندة حرب الخرطوم في بعض الدول الأفريقية ذات الموارد كما أن امريكا بدأت تهئ نفسها للدخول للمنطقة بعد مقاسمتها مع الفرنسين.. لسد الطريق امام الروس والصين..
أجندة الإمارات اسرائيل باستئصال وجود الاسلاميين فى دول الشرق الأوسط .. وزاد تعميق هذه الأجندة عمليات حماس.. طوفان الاقصي.. التي تمضي نحو توسع ربما يشمل كل المنطقة المطلة علي البحر الأحمر..
أجندة اعراب الشتات فى انشاء الإمبراطورية(ال جنيد) الحلم فى قلب افريقيا والحشد مستمر..ذراعها ال دقلو.. الذين باتو يبحثون الان عن ماينقذ ماتبقي من قوات بعد أن تكشف لهم انهم تم استعمالهم دون وعي من قبل الحرية والتغيير والاطماع الإقليمية..
كذلك هناك أجندة مهمة هي.. اجندة الجيش عبر القائد البرهان فى حكم السودان.. هذه الحرب لن يفرط الجيش بعدها في الحكم لأسباب كثيرة يضيق المجال عن ذكرها.. وسوف يساعده المزاج الشعبي علي ذلك.. من خلال تقديم الأمن علي الديمقراطية الكذوب.
كذلك هناك مجموعة من اجندات تابعة مؤثرة منها.. أجندة المصريين في أهمية استقرار السودان والمحافظة علي مجري النيل وترتيب امر سد النهضة..
أجندة المملكة العربية السعودية الزراعة لديها اتفاق بمليون فدان حول بحيرة سيتيت.. بالإضافة لمشاريع زراعية اخري ضمن خطتها في تعزيز نفوذها العربي والافريقي..
أجندة الحركات المسلحة في المحافظة علي دارفور موحدة وسعيهم لدي عمقهم القبلي التشادي باستخراج الكرت الأحمر الذي جعل المعارضة تتحرك وتضغط..
أجندة الإسلاميين التي يبدو أنها مختلطة بعض الشي وهذا يجعلنا نستفيض قليلا إذ انها أصبحت تمثل مفتاح الحل وصرة التسويات المحتملة..
الإسلاميين منذ بداية الحرب كانوا واضحين في دعمهم للجيش ووقوفهم معه وفي ذلك لم تكن لهم خيارات اخري لأن أجندة التفكيك التي شملت الجيش كانت سوف تشملهم بل ستشمل كل مؤسسات الدولة ولم يكن تفكيكا ناعما باي حال ربما اعادتنا الي محاكم التفتيش لذلك كانو حاضرين ضمن المشهد العسكري و مايزالون وهؤلاء ظني يمثلون تيار الولاء الحقيقي الذي ظل متمسكا بقيم الحركة الإسلامية وهو تيار لديه الاستعداد ليذهب الي ابعد مدي ممكن للمحافظة علي بقاء الدولة السودانية موحدة عصية علي المؤامرات.. استطاع هذا التيار ان ينهض سريعا وان يتجاوز مرارات الماضي والخلاف والخيانة بل مضي في تجيش الشعب ضد اي معارك قائمة او قادمة.. وقد نجح في ذلك حسب مراقبين مما جعل امر التسوية معقدا بعض الشي.. ذلك أوجب بروز تيار اخر أكثر مرونة في التعاطي مع المرحلة.. وربما لديه القدرة والاستعداد لتقديم كافة التنازلات لأجل العودة للسلطة من جديد.. وهذا التيار اغلبه يعبر عنه من هم بالخارج إذ ان الكثيرين منهم ظلوا داعمين لاسقاط حكم نظام البشير بمبررات مختلفة.. هذا التيار بدا ينشط هذه الأيام وقد عبرت عنه السفيرة سناء حمد من خلال حديثها عن مرحلة إسقاط حكم الإسلاميين المبررات التي ساقت لها الشواهد.. وربما أرادت ان تقول من خلال حديثها الذي جانبه التوفيق زمانا وموضوعا ان الإسلاميين مسيطرين علي الجيش ويستطيعون حمله نحو اي تسوية يتطلع لها الداخل او الخارج شرطا ان تعبر هذه التسوية من خلالهم.. هذا التيار فات عليه ان الجيش الذي كانوا قريبين منه يامروه لياتمر هذا جيش (عم عوض) كما قالت السفيرة.. الجيش الان قطع شوطا واسعا متجاوزا جميع أشكال التطير ذلك تعبيرا عن المرحلة التي جعلت كل الشعب السوداني في خندق واحد مع جيشه.. وليس جيش اي جهة تريد أن تمارس فيتو عليه.. ولو لم يمضي الجيش وفق تلك المعطيات الجديدة.. التي توجب عليه الوقوف بمسافة واحدة من الجميع.. وان يمضي تجاه إعادة انتاج تجربة المشير سوار الذهب بأن تحكم المرحلة القادمة بالكفاءات الوطنية وان تمضي الأحزاب السياسية جميعها لتجهيز نفسها للانتخابات.. ان لم يفعل ذلك فلربما فتح علي نفسه باب من التمرد الشعبي الذي لن يكون بعده احد موهلا لحكم السودان الا عبر البندقية التي من غير المعروف متي تنتهي ذخيرتها.
…..
#منصة_اشواق_السودان