تأملات علي أحمد دقاش يكتب : ﴿ ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَامٞ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ ﴾
تأملات
علي أحمد دقاش يكتب :
﴿ ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَامٞ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ ﴾
✒️✒️✒️
هذه الايات وردت في اطار تأويل سيدنا يوسف لرؤية عزبز مصر .
دخل سيدنا يوسف السجن كما هو معروف بكيد من امراة العزيز وبقي في السجن فترة من الزمن اكتمل فيها رعاية الله له وتعليمه العلم و تاويل الاحاديث ثم ان عزيز مصر راي رؤية اقلقته وإحتار في تأويلها فطلب من الملأ من رعيته افتاءه في رؤياه
{أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ}
لكن الملأ عجزوا عن تاويل الرؤيا وقالوا هي مجرد ادغاث احلام ليس لديهم لها تاويل
تدخل ساقي الملك وكان مسجون مع سيدنا يوسف وله معه تجربة شخصية تدخل واشار ان يطلب من يوسف تأويل الرؤية فهو من المحسنين حسب تزكية سابقة ومعرفة له في السجن :
{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُون}
استجاب يوسف و لم يكتفي بتاويل الرؤية التي كانت تنبئ عن ازمة اقتصادية طاحنة ستجتاح البلاد انما قدم خطة متكاملة لإدارة الازمة فحدد كيفية تخزين المحصول دون ان يتلف للاستفادة منه في السنوات العجاف القاسية التي يتوقع ان تمتد لسبع سنوات .
قدم اقتراح بتقانة تخزين ضد التلف لايزال المزارعون يستخدمونها حتي الان فى بعض المناطق .
{ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ • ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ • ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ }
يرى محمد سيد طنطاوي صاحب التفسير الوسيط :
[ يوسف- عليه السلام- لا يكتفى بتأويل الرؤيا تأويلا مجردا بل يؤولها تأويلا صادقا صحيحا، ومعه النصح والإرشاد إلى ما يجب عمله في مثل هذه الأحوال، قال يوسف: –
كما حكى القرآن عنه -:
{تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً.}
وتزرعون هاهنا: خبر في معنى الأمر، بدليل قوله بعد ذلك «فذروه» …
وعبر عن الأمر بالمضارع مبالغة في التعبير عن استجابتهم لنصيحته، فكأنهم قد امتثلوا أمره، وهو يخبر عن هذا الامتثال. ودَأَباً مصدر
دأب على الشيء إذا استمر عليه ولازمه يقال:
دأب فلان على فعل هذا الشيء يدأب دأبا ودأبا
إذا داوم عليه، وهو حال من ضمير «تزرعون» أى قال يوسف للساقى: فارجع إلى قومك فقل لهم إن يوسف يأمركم أن تزرعوا أرضكم سبع سنين زراعة مستمرة على حسب عادتكم.
فَما حَصَدْتُمْ من زرعكم في كل سنة، فذروه في سنبله، أى: فاتركوا الحب في سنبله ولا تخرجوه منها حتى لا يتعرض للتلف بسبب السوس أو ما يشبهه.
إلا قليلا مما تأكلون أى:
اتركوا الحب في سنبله فلا تخرجوه منها، إلا شيئا قليلا منه فأخرجوه من السنابل لحاجتكم إليه في مأكلكم.
وفي هذه الجملة إرشاد لهم إلى أن من الواجب عليهم أن يقتصدوا في مأكولاتهم إلى أقصى حد ممكن لأن المصلحة تقتضي ذلك.]
الاية التي هي موضع تاملانا هذه الجمعة هي قوله تعالي :
{ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ }
هي جرعة امل قوية يحقننا بهي القران ونحن نعيش محنة حرب السودان اليوم وما خلفته من ضيق في المعيشة للسودانيين .
نستلهم من الاية انه سيأتي من بعد الجدب والشدة والضيق في السودان تبدا للاحوال .
عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون هو خبر من يوسف عليه السلام لم يكن في رؤيا الملك ، ولكنه من علم الغيب الذي أتاه الله وعلمه ليوسف .
قال قتادة : زاده الله علم سنة لم يسألوه عنها إظهارا لفضله ، وإعلاما لمكانه من العلم وبمعرفته .
فيه يغاث الناس من الإغاثة أو الغوث ; غوث الرجل قال واغوثاه ، والاسم الغوث والغواث والغواث ، واستغاثني فلان فأغثته ، والاسم الغياث ; صارت الواو ياء لكسرة ما قبلها . والغيث المطر ; وقد غاث الغيث الأرض أي أصابها ; وغاث الله البلاد يغيثها غيثا ، وغيثت الأرض تغاث غيثا ، فهي أرض مغيثة ومغيوثة فمعنى “يغاث الناس ” يمطرون .
” وفيه يعصرون ” قال ابن عباس : يعصرون الأعناب والدهن قال العلماء :
[ يعصرون العنب خمرا والسمسم دهنا ، والزيتون زيتا .]
نستلهم من هذه الاية انه سيحدث رخاء بعد الشدة ويسر بعد العسر وخير بعد الشر وفرج بعد الضيق.
الحرب التي تدور في السودان الآن قال عنها احد الباحثين انها :
[ متسارعة في وتيرتها , متصاعدة في طبيعتها ,متدحرجة في ظواهرها وسلوكياتها , احدثت خسائر بشرية واقتصادية كبيرة وتسببت في جروح اجتماعية ونفسية عظيمة]
لكن دون شك ستقف الحرب وستتغير حال السودان من بعد هذا الخراب والدمار وسوف:
{…. يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}
سيدنا يعقوب من بعد ثمانين سنة فراق لابنه كان صابرا محتسبا ينتظر عودة سيدنا يوسف فقابله بعد هذا الفراق الطويل .
{وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِیرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّی لَأَجِدُ رِیحَ یُوسُفَۖ لَوۡلَاۤ أَن تُفَنِّدُونِ }
لن نيأس ابدا من تجاوز هذه الازمة السودانية لكن الامر يحتاج منا لوقفة صلبة في وجهها ولعمل مرهق ومستمر لتجاوزها وثقة في قدراتنا وفي عون الله نقول لاهل السودان ما قاله يوسف لاهل مصر :
{ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}
علي احمد دقاش
الجمعة٦/٩/٢٠٢٤