د. محمد صالح إبراهيم الشيخابي يكتب : ماشين نكلم محطة سبعة !!
د. محمد صالح إبراهيم الشيخابي يكتب :
ماشين نكلم محطة سبعة !!
الحلقة الأولى..
*(( دعوة للسلم الإجتماعي ))*
في منتصف الثمانينات كنا في *(( الطاشرات))* من العمر حيث تفحت أعيننا على الدنيا في حي الصحافة .. و هو حي وسط في كل شي لا فقير و لا غني .. لا عريق جدا ً و لا حديث جدا ً ..كنا نحسب أن محطة سبعة هي مركز الدنيا و أم الكون و لم يكن ذلك إحساسنا وحدنا نحن الصغار فقط بل الكبار أيضا ..!
في ذلك الزمان الجميل لم يكن هنالك كراهية و لا عنصرية و لا عصبية و لا عداوات سياسية او دينية او حتى رياضية.. و حتى الذي كان مصابا بهذه الأشياء كان يخفيها ..
كان *(( الزمان زين ))* و لا أحد يعمل في المساء .. يأتي الأب في الظهيرة او العصر حاملا الجريدة و البطيخة .. الذي لا يملك سيارة ينزل في محطة سبعة و يمشي إلى البيت سيرا ً على الأقدام (( كداري)).. و العندو عربية برضو بيقرشها في محطة سبعة في حوش البلدية الذي أصبح مقر الكهرباء الآن ثم يذهب لمنزله كداري أيضا..
في العصر كان يقتلنا الشوق ليأتي المساء موعد اللقاء اليومي مع محبوبتنا.. *((محطة سبعة .. !!))*
القروش كان فيها بركة و مافي كان زول بشتغل في المساء .. لذلك كانت محطة سبعة ملتقى أهل الحي في المساء يتسامرون و يحتسون الشاي الأحمر و شاي اللبن و القهوة و يحتسون الحكاوي و القفشات و الحب و الزلابية و لا بأس من بعض بائعات الطعمية و الأسماك …
بكرر تاني .. ما كان في كراهية و عصبية من اي نوع
كنا نبث محطة سبعة أشواقنا كل مساء ..
سنة ٨٦ المريخ شال كأس سيكافا .. أتانا الخبر عبر الراديو بصوت المذيع .. لم تكن هناك قنوات فضائية و لكن كان هناك الفضاء الرحيب و سعة الأرواح و طلاقتها و الفضاء الرحيب بين منطقتي العشرة و الصحافة.. فضاءها هي … محطة سبعة ..
في ذلك اليوم خرجنا كلنا عصرا ً .. لنخبر محطة سبعة .. !!
لا زلت أذكر ذلك اليوم و أهل الحي كبارا و صغارا و نساءا ً و رجالا ً يمشون فرادى و جماعات ..
كلمنا محطة سبعة قلنا ليها المريخ شال كأس سيكافا ..❤️
فبكت فرحا و احتفلت معنا .. استطيع أن ازعم أنني رأيت دموع المحطة بعيني ..بكت معنا فرحا ً و هنأتنا .. كلنا .. هلالاب على مريخاب . .. ما كان في كراهية و لا عصبية رياضية ..
و ..
كلمنا محطة سبعة ..
قلنا ليها في لاعب اسمو عيسى صباح الخير فش غبينتنا في الأفارقة و لا زلت أذكر و اظن أن كل رياضي سوداني يذكر صوت المذيع *(( جاري و جارين وراهو))*.. الذي يجري هو عيسى صباح الخير و الجارين وراهو ديل دفاع الخصم يجري وراءه إلى أن أحرز الهدف ..
كنا هلالاب على السكين لكن اقسم بالله ما كنا بنكره عيسى صباح الخير و لا المريخ .. صحي في مناكفات بين جماهير الفريقين هنا و هناك لكن الرياضي السوداني يحترم اللاعب الخفيف الحريف السريع مثل عيسى صباح الخير ..ويحترم اللاعب الخلوق ..
نعم ..هلالاب و بنحب عيسى صباح الخير .. تصدق ..!! و أستطيع أن أزعم بكل ثقة أن المريخاب كانوا يحبون أسطورة السودان و الهلال طارق أحمد آدم ..❤️
قلت ليكم ما كان في كراهية …
مرة سنة ١٩٨٨ كنا في درس العصر في مدرسة الصحافة غرب المتوسطة.. الراديو أعلن في نشرة الساعة تلاتة إنو الجيش السوداني حرر مدينة الكرمك من قوات التمرد المدعومة من أثيوبيا ..
جاء استاذ إسمو خلف الله … الله يرحمو طلعنا في مسيرة فرح…
وين ..؟
طبعا ً محطة سبعة ..
❤️
كلمناها قلنا ليها الجيش حرر الكرمك و قيسان .. و لقينا ناس الحلة كلهم هناك … و تاني محطة سبعة فرحت و بكت معانا من الفرحة ..
كان في ناس جوة المسيرة بهتفوا عاش ابوهاشم عاش ابوهاشم ..حررت الكرمك يا ابو هاشم .. ابو هاشم دا كنا فاكرنو دا قايد الجيش الحرر الكرمك ..
سألنا قالوا دا السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي قالوا ضرب تلفون لصدام حسين رسل طيارة حررت الكرمك ..
و صدقناهم و مشيناها ليهم .. ما قلت ليكم ما كان في كراهية .. محمد عثمان دا رئيس الختمية و كان في أنصار حزب امة و انصار سنة و صوفية لكن ما كان في كراهية ..
ما كان في كيزان و قحاتة .. كان في اخوان مسلمين و شيوعيين لكن كلهم كانوا محترمين و خلافهم مع بعض محترم ..
لدرجة أنهم اتفقوا مع بعض و مع باقي الأحزاب و سقطوا حكومة النميري و كل الأحزاب اتفقت و سلمت الفترة الانتقالية لي سوار الذهب و الجزولي لمدة سنة واحدة بس و مشوا يعدوا أنفسهم للانتخابات ..
مافي زول تاني سأل سوار الدهب و الجزولي و لا اشتغلوا بيهم الشغلة … عارفنها دي *(( فترة انتقالية ساي.. ))*
مشوا يتجهزوا للانتخابات .. وفعلا ً سوار الدهب و الجزولي سلموا السلطة بعد سنة واحدة بالضبط ..
المهم ..
سنة ١٩٨٦ قام فريق التاكا كسلا هزم الهلال ..
زعلنا و مشينا كلمنا أمنا محطة سبعة قلنا ليها التاكا غلب الهلال ..
المرة دي أمنا محطة سبعة زعلت مننا و ما شاركتنا احزاننا …
محطة سبعة قالت لينا التاكا دا غلبكم كورة و لا شي تاني ؟
دنقرنا راسنا و قلنا ليها كيف يعني يا أمنا ..؟؟
قالت يعني في ضربة جزاء ظالمة؟ قلنا ليها لأ .. طيب طردوا ليكم لاعب ؟ .. يعني لعبتو ناقصين؟ قلنا لأ ؟ طيب الحكم كان متحيز ؟ قلنا ليها النصيحة لأ ؟؟ كان حكم عادي ارتكب أخطاء بسيطة زي البرتكبها اي حكم و هي جزء من اللعبة ما أثرت في نتيجة المباراة ..
أمنا محطة سبعة صرت لينا وشها و قالت يلا معناها الناس ديل غلبوكم كورة عدييييل أنسوا الفات و شوفوا عيوب فريقكم …
و فعلا بعدها انطلق الهلال ليهزم اي فريق سوداني أو أفريقي قابله ابتداءا من إبنه هلال بورسودان ثم الموردة ثم المريخ و لم يتوقف إلا في نهائي دوري أبطال أفريقيا في
السنة البعديها ١٩٨٧ ..السنة ديك الهلال هزم فيها عمالقة أفريقيا…
بدأ بي تمزيق شباك فيلا اليوغندي بهدفين لعمر النقي و كندورة و الناس قالوا الهلال ما بمش لقدام لأنو الفرق الجايه أسماء كبيرة.. انتركلوب فوت بول البورندي .. فيلا اليوغندي .. ليفنتس النيجيري .. كانون ياوندي بطل الكاميرون شخصيا ً .. و ديل كلهم الهلال هزمهم شر هزيمة و جندلهم واحد ورا التاني .. و كل مرة الهلال يتأهل لي مرحلة بدون ما نشعر نلقى روحنا ماشين نكلم محطة سبعة ..كنا نتحلق حول الراديو و ننتظر خبر تأهل الهلال ثم نهرع لنخبر محطة سبعة .. كانون ياوندي بطل الكاميرون دا بالذات الهلال تعادل معه بهدف تنقا و بعد داك هزمو بضربات الجزاء و صعد على حسابو للنهائي و لا زال كل الرياضيين يذكرون صوت المذيع و دموع حمد دفع رمانة وسط الهلال وقتها .. كان المذيع يبكي و يصيح مرقها يور ..مرقها يور ..مرقها يور .. ..و يور كان حارس الهلال ابن الجنوب البار و الحارس الاسطوري الذي كان يستلم الكرة بيد واحدة كان هو من صد ضربة الجزاء الأخيرة و صعد الهلااااال …يور من الجنوب و مبارك سلمان من الشمال و مجدي كسلا و أسامة الثغر من الشرق و تنقا و جلال كادوقلي من الغرب و العوني من الصحافة ❤️❤️ ..
و كلمنا محطة سبعة و تاني بكت معنا فرحا ً
و بعدها بكت معنا حزنا ً عندما ظلم الحكم المغربي لاراش الهلال و نزع منه كأس إفريقيا لمصلحة الأهلى المصري …
خاتمة :
في الوجدان الجمعي لأي قرية أو مدينة أو حي أو فريق رمز يلجاون إليه و اب روحي و *((أم روحية))* .. ربما كان هذا الرمز أبا شيخا ً كبيرا ً أو رجلا حكيما ً أو إمرأة تمثل ( أم الكل ) أو محطة ..خلوة ..مسيد .. ..
نحن كان أمنا محطة سبعة علمتنا المحبة والسلم الإجتماعي و عدم الكراهية حتي كان الصحفي المريخي يكتب بفخر عن انتصار الهلال و العكس صحيح .. بل كان الصحفي يخفي انتماءه الكروي لان القومية كانت من متطلبات العمل الصحفي …
و أذكر جيدا ً أنه قبل بداية مباراة الهلال و ليفنتس النيجيري حضرت كل الأندية العشرة بدوري الخرطوم لإستاد الهلال بالزي الرسمي بما فيها المريخ لتأكيد الوقوف مع الهلال تلك المباراة التي انتهت بفوز الهلال بهدفي الأسطورة صبحي الأول من بص متقن للساحر عادل العوني و الثاني عكسية من المبدع منصور بشير تنقا .. أوووه تنقا .. أنشودة الجماهير … أيام ليست كالأيام..
و أذكر جيدا عندما انتصر المريخ على فريق البنزرت التونسي أيضا حضرت كل الأندية باعلامها. وراياتها و زيها الرسمي بما فيها الهلال .. حضروا لاستاد المريخ لمؤازرته باعتباره ممثل السودان..و انتصر المريخ بهدفين أحرز هدف الحسم سانتو رفاعة من عكسية رائعة متقنة و خاطفة للكابتن سامي عز الدين رحمة الله عليه و كانت السماء تمطر حينها مما زاد من توتر التوانسة و سهل مهمة المريخ و حينها نظم الهرم الفني حسن خليفة العطبراوي و هو هلالابي قح متغزلأ ً في نجوم المريخ و خاصة اللاعب سكسك الذي كان يلعب بمزاج و تسميه الجماهير بالساحر و المهندس حيث يقوم ((بترقيص)) و تمويه دفاعات التوانسة . العطبراوي الهلالابي يتغزل في المريخ و قد كتب عليه رحمه الله عدة قصائد لكل من الهلال و المريخ و الموردة(( بلبل الأغصان شدا .. تحيا و تعيش الموردة )) ..قلت ليكم ما كان في كراهية و عصبية .. انتصر مريخ السودان على البنزرت التونسي و كتب العطبراوي الهلالابي و غنى كلمات من تاليفه و ألحانه و أدائه..:
سكسك أنت يا رسام
الميدان صِبِح أقسام
معاك تتمايل الأجسام
زي الريح مع الأنسام ..
……………………..
بين علم الهلال و النيل..
وعلم الموردة أم الجيل..❤️
ما بين المطر و السيل ..
يا بنزرت ويلك ويل ..
*خاتمة :*
يا تري هل يعود ذا الزمن ..
*(( دعوة للسلم الإجتماعي و نبذ العصبية السياسية و القبلية و الدينية و الرياضية ..
نواصل في سلسلة مقالات *(( محطة سبعة))* إن شاء الله ..
د/ محمد صالح ابراهيم الشيخابي
22 يناير 2025