عادل عسوم يكتب : *وقفات، وتدبرات رمضانية العام 1446 : اليوم السابع… لماذا قرن الله الصيام بالتقوى؟!*
عادل عسوم يكتب :
*وقفات، وتدبرات رمضانية العام 1446 : اليوم السابع… لماذا قرن الله الصيام بالتقوى؟!*
لإن استقصينا كلمة (لعل) في القرآن؛ نجدها وردت في ست وعشرين سورة من سور القرآن الكريم، ومعلوم أن (لعل) تأتي -على الأغلب- في سياق كلام الناس المعتاد بمعنى الترجي، لكنها أتت جميعا في القرآن الكريم بمعنى “لأجل”، حيث تأتي
مترافقة بفعل غائي، وتختلف الغايات من بعد (لعلكم) لتبلغ أربع عشرة غاية بجانب (تتقون)، وهي:
تشكرون
تفلحون
تعقلون
ترحمون
تذكرون
تهتدون
تتفكرون
تصطلون
تسلمون
توقنون
تسألون
تغلبون
تخلدون
وان قصرنا تدبرنا على آية فرض الصيام نجد ان الغاية فيها هي التقوى، والفعل الغائي هو الصيام، وهنا تبادر إلى ذهني سؤال:
هل ورد في آي القرآن الكريم فعلا غائيا أخر عدا الصيام يؤدي إلى غاية التقوى؟
الإجابة نعم
لنقرأ معا كل الآيات التي ورد فيها سياق (لعلكم تتقون) بجانب آية فرض الصيام:
1-{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}21 البقرة
2-{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 63 البقرة
3-{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 179 البقرة
4-{وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} 153 الأنعام
5-{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 171 الأعراف
في الآية الأولى أمر للناس بعبادة الله على عموم ذلك، وهو خطاب عام لبني آدم دون تحديد لعبادة بعينها يقصر بسببها طريق الوصول إلى التقوى.
2-وفي الآية الثانية خطاب إلى قوم موسى عليه السلام بالعكوف على كتابهم ولعل السياق هنا أشبه بالسياق العام في الآية الأولى بعبادة الله.
3-في الآية الثالثة فتتحدث عن القصاص كفعل غائي يوصل إلى التقوى، وهذا الأمر يرتهن بالدولة ونظمها واجهزتها لكون القصاص موصول بالقضاء والتحاكم، وان استصحبنا مايلي المتقاضين من الناس فلاتكون القضايا مثار القصاص مبذولة على الدوام لتكون منالا للتقوى للناس.
4-في الآية الرابعة شبه بالآية الأولى كذلك لكونها خطاب عام بالعبادة والتزام الصراط المستقيم.
5-الآية الخامسة أتت على نسق الآية الثانية كخطاب عام -كذلك- بعموم الاستمساك بالكتاب وعبادة الله.
لكن عندما نعود إلى آية فرض الصيام:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 183 البقرة
نجد (تحديدا وبيانا) لعبادة بعينها يقول الحق سبحانه بأنها بتوفيقه تعالى ستوصل المؤمن إلى التقوى،
فما السر والسبب الذي يجعل الصيام موصلا للتقوى؟!
الصيام عبادة (سرية) بعكس سائر العبادات…
في عز الحر وأنت صائم تشعر بالعطش وتشتهي الماء وهي أمامك وقد تكون باااردة، وتحين الصلاة فتدخل للوضوء في مكان مغلق لتدخل الماء إلى أقرب مسافة من البلعوم وليس بينك وبين شربه وتحقيق ما تشتهي سوى إرادة البلع والتي لو حدثت لن يعلم بها مخلوق ممن حولك، ولكنك لا تفعلها! لماذا؟! لأنك صائم، وتعلم يقينا بأن الله يراك ومطلع على عملك ونيتك.
وكذلك زوجك في بيتك وبجوارك وهي (حلالك)، تمسك نفسك عنها وتمسك هي نفسها عنك خلال النهار صدعا بأمر الله، فتتقي الله وتنأيا بنفسيكما…
ولعمري بذلك استحق الصيام التمييز بأن: (إلا الصوم فإنه لي وأنا اجزي به)!، وذلك لكونه فيه النأي بالنفس عن -حتى- الحلال عوضا عن الحرام!.
هذا يجسد التقوى، وتعريف التقوى أنها تجعل بيننا وبين عذاب الله وقاية بامتثال أوامره واجتناب نواهيه والوقوف عند حدوده والتأدب بما أدبنا الله به.
أقول:
الصوام النائي بنفسه عن الرياء و(اراءة الناس بكونه صائم) يكون اصدق في تدينه وأفضل في حسن التعامل مع الآخرين بأكثر من المعهود عنه أداء أي شعيرة أخرى حتى الصلاة، والتقوى هي الترجمة لحساسية الضمير ويقظته، فلا يفعل القبيح ويعصم نفسه وإن كان في مأمن من العقوبة القانونية أو انتقاد وذم الناس.
وهناك بعض الشواهد والأدلة التي تشي للمؤمن نجاحه في أمر مجاهدة نفسه ووصوله إلى درجة التقوى:
1-نجاعة الساعة البيولوجية، يتبين المسلم ذلك عندما يحس بموعد الأذان للصلوات قبيل رفعه بثوان، وقد يتجاوز الأمر ذلك فيشعر المسلم بقرب حدوث بعض الوقائع قبل حدوثها، وليس في الأمر علم بالغيب، فالعالم بالغيب هو الله وحده، لكنه نور يلقيه الله في قلب وجدان المؤمن (التقي) ليبصر به.
2- حب سماع القرآن وتلاوته، فكلما تبين المسلم في نفسه بعض الضيق من سماع القرآن؛ فليعلم يقينا بأنه يحتاج إلى مجاهدة لنفسه أكثر.
3- الأحلام والرؤى الَمنامية تكون أوضح في تفاصيلها، ويستطيع تفسيرها بنفسه دون عناء.
4- يجد نفسه أَمْيَلَ وأحب للذين ظاهرهم الخير والحرص على الطاعة من الناس، فالأرواح والقلوب في ذلك جنود مجندة كما ذكرت أمنا عائشة رضي الله عنها في الحديث الصحيح الذي روته عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.
5- الذي ينجح في مجاهدة نفسه وأطرها إلى التقوى، يكون قد سار حثيثا على مدارج السالكين إلى عوالم القرب من الله، وإن حرص على عدم الإنتصار لنفسه خلال حراكه مع الناس؛ يتبين نصر الله له في الكثير من المواقف الحياتية مع الناس:
{أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} الحج 38.
اللهم اجعلنا ممن يصوم رمضان ايمانا واحتسابا لنكون من المتقين، انك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.
adilassoom@gmail.com