منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

محمد التجاني عمر قش يكتب… *جنوب السودان ومسرح اللامعقول!*

0

محمد التجاني عمر قش يكتب…

*جنوب السودان ومسرح اللامعقول!*

لا زلت أذكر عبارة البروفسور محمد سعد محمد سالم أستاذ التاريخ في كلية التربية بجامعة الخرطوم في معرض حديثه عن سقوط أو زوال الممالك الإسلامية في غرب إفريقيا فقد درج على استخدام عبارة “لا يمكن ان تكون الأمور قد حدثت بتلك الصورة الدرامية الغامضة” وهذا القول ينطبق بدرجة واضحة على الأحداث التي تدور في دولة جنوب السودان هذه الأيام! فهنالك على يبدو حراك محموم في هذه الدولة الوليدة التي لم تنبت أسنانها بعد، ولم يكتمل بناؤها الدستوري ولا حتى الإداري، بل ظلت، منذ انشقاقها أو في واقع الأمر سلخها خيانة وغيلة من الدولة الأم وهي السودان، مسرحاً لصراعات بين زعامات قبلية وسياسية ذات أجندة خاصة بها. ولكن ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية هو ضرب من الأحداث أشبه ما يكون بمسرح اللامعقول أو كتابات صمويل بيكيت التي تميزت بطابع السوداوية والتشاؤم والغموض أو ما عرف بـِ “مسرح العبث”.

والآن تتحدث الأنباء الواردة من جوبا أن تغييراً سياسياً قد جرى في تلك المدينة المضطربة التي تعيش حالة من التوتر والترقب المشوب بالحذر والخوف، فهل هنالك انقلاب عسكري أبيض، قاده بنجامين بول ميل، المقرب من سلفا كير، أم حدث هبوط ناعم، أم تسليم وتسلم، أم أن الأمر يندرج تحت مسلسل التدخلات ونظرية المؤامرة الخارجية لخدمة أهداف لا علاقة لها بشعب الجنوب واستقراره؟

ومن جانب آخر نفى مصدر موثوق ومطلع وعليم حدوث انقلاب عسكري، وأفاد بأن وجود عناصر الجيش اليوغندي في جوبا لا علاقة له بأجندة إماراتية مطلقاً؛ لأن يوغندا إنما تسعى للحفاظ على مصالحها في دولة جنوب السودان التي تعد المستورد الأكبر للمنتجات الزراعية اليوغندية بما يقدر بقيمة مليار دولار أمريكي وهذا مبلغ تسيل له لعاب الاقتصاد اليوغندي ذي الطابع التقليدي تماماً، وإذا تورطت يوغندا في الجنوب ستكون خسارتها مضاعفة ولهذا السبب تريد جنوباً مستقراً؛ حتى تضمن انسياب صادراتها إليه بكل سهولة ويسر وهي تلك البلد الإفريقي المغلق الذي ليس له منفذ على البحر، علماً بأن مواطني الجنوب يعتمدون على ما يصلهم من منتجات زراعية وحيوانية يوغندية تشمل الذرة والقهوة والشاي، وكما نعلم فإن يوغندا قد خسرت صادراتها لشرق الكنغو بما يعادل نصف مليار دولار أمريكي، وهم لذلك حريصون كل الحرص على استقرار الجنوب!

ومن جانب تسعى الإمارات لفتح جبهة جديدة ضد السودان في حدوده الجنوبية ولذلك أنشأت مستشفىً ميدانياً في منطقة أويل القريبة من جنوب دارفور سعيا منها لتوفير دعم عسكري ولوجستي لأذنابها الذين يخوضون الحرب بالوكالة عنها وكفيلها اليهودي ضد الشعب السوداني الأبي، ولذلك ربما تكون قد سعت لتنصيب أحد عملائها الجنوبيين رئيساً للبلاد من أجل تسهيل مهمتها القذرة معتمدة على دبلوماسية المال والتآمر الخبيث، مع العلم بأنه لا القوة وحدها ولا الدراهم التي تدخل جيوب النفعيين كافية لإحداث تغيير في جنوب السودان حيث سطوة القبيلة هي سيدة الموقف، ولذلك فإن الإمارات غير مؤهلة للتأثير على سير الأحداث في جنوب السودان مثلما يتوقع بعض السذج من الخونة في السودان.

عموما لا يزال الغموض يكتنف الموقف، وعلى السودان اتخاذ كافة الاحتياطات الممكنة لتفادي ما قد تؤدي إليه تطورات الأحداث في الجنوب لأن ذلك سيؤثر حتماً على أمننا القومي؛ خاصة في ظل الظروف الراهنة وانشغال الجيش بمعركة الكرامة ضد المليشيا وأعوانها ولهذا السبب لابد من إغلاق الحدود بقدر المستطاع خصوصا في جنوب النيل الأزرق ومنع تدفق اللاجئين من جنوب السودان فهنالك الآن نذر حرب أهلية جديدة تلوح في الأفق الملبد بالحشود العسكرية لطرفي النزاع وهما تحديدا سلفا كير وريك مشار أو بالأحرى بين الدينكا والنوير أو الجيش الأبيض والجيش الشعبي، ومن الضرورة بمكان مراقبة حدودنا خاصة عند جودة وجنوب النيل الأزرق خشية تسلل مزيد من المرتزقة كلاجئين، وقديما قيل:” الجري قبل الشوف قدلة” ولا داعي للتعامل مع مثل هذه الأمور بالعاطفة أو العفوية والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.

 

13/3/2025

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.