منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

بقلم د.إسماعيل الحكيم *النقابات صمام الأمان السياسي ..*

0

بقلم د.إسماعيل الحكيم

*النقابات صمام الأمان السياسي ..*


ظلت النقابات — لعقود — الحصن الأخير للطبقة العاملة، وصوت من لا صوت له ، بل هي الجهة المعبّرة عن الأمل في وجه التهميش والخذلان. وعندما أصدرت وزارة العدل السودانية قرارها الأخير القاضي بإعادة نشاط النقابات بعد توقف طويل في مشهد سياسي واجتماعي معقد، فإنها لم تُعِد الوزارة مؤسسات بيروقراطية إلى العمل، بل بعثت روحًا نضالية مهمة ، وفتحت كوة أمل في جدار الانقطاع والخذلان.
لقد أدركت الوزارة وهي تُصدر هذا القرار أن الفراغ النقابي كان سببًا مباشرًا في ضياع الحقوق وتآكل العدالة الاجتماعية داخل مؤسسات الدولة وخارجها، وأن غياب النقابات عطّل مسار التفاوض الجماعي، وترك العاملين في مواجهة مباشرة مع آلة البيروقراطية دون مظلة تحميهم أو صوت يُعبر عنهم.
إن النقابات ما كانت يوماً ترفًا تنظيميًا أو تكويناً هلامياً ، بل ضرورة وطنية، ورافعة اقتصادية، وصمام أمان سياسي. فمن رحم النقابات خرجت حركات تحرر وتكونت جبهات نضال ، وتشكل وعي وطني قاوم الديكتاتوريات وانتصر للحقوق وقهر الصعاب في أوجه البغي والبطش . وفي دول العالم كافة ، تشكّل النقابات ركائز راسخة لأي دولة مؤسسات حقيقية، حيث تؤدي أدوارًا محورية في ضبط علاقات العمل، وتحقيق التوازن بين أطراف الإنتاج، وتعزيز العدالة الاجتماعية.
واليوم في ظل الحرب التي عصفت بالوطن، وما خلّفته من دمار وتشظٍّ وفوضى، يصبح دور النقابات أكثر إلحاحًا وأشد خطورة. فهي من جهة مطالبة بالدفاع عن حقوق أعضائها في ظل التحديات الاقتصادية والمعيشية، ومن جهة أخرى مدعوة للمساهمة في إعادة بناء الدولة على أسس مهنية ومؤسسية عادلة.
إن الرهان على نقابات مستقلة ووطنية لا يندرج فقط في سياق حماية حقوق العاملين، بل يتجاوز ذلك ليصبح رهانًا على مستقبل البلاد نفسه. فتلك النقابات — إذا أُتيح لها العمل الحر والنزيه — يمكن أن تكون مدرسة وطنية تُخرّج قادة رأي، وتُعزز الوعي النقابي، وتُسهم في صناعة سياسات تنموية عادلة. بل إن الاقتصاد نفسه لا ينمو إلا في ظل بيئة عادلة ومنصفة تحفظ كرامة العامل مه توازن في علاقات الإنتاج.
كما أن النقابات تمثل جسور تواصل فعالة بين الحكومة والقاعدة الشعبية هذا من ناحية وروح وصل وتواصل مع نظيراتها في عالمنا الخارجي ، ما يعني أنها قادرة على ردم الفجوة التي اتسعت في السنوات الماضية نتيجة غياب الوسيط الحقيقي بين الطرفين. ومن خلال تفعيل آليات التفاوض والحوار الاجتماعي، يمكن للنقابات أن تُعيد بناء الثقة بين الدولة ومواطنيها.
إن النقابات — متى ما كانت مستقلة وموحدة وواعية — تمثل ذراعًا نضاليًا لا يُستهان به، وركنًا ثابتًا من أركان التحول المدني، ولذا فإن دعمها ليس منّة من الدولة، بل استحقاق وطني لا غنى عنه. وإذا كانت الحرب قد بعثرت الأوراق وأرهقت البلاد والعباد، فإن المرحلة المقبلة تستوجب تضافر كل قوى المجتمع، وفي مقدمتها النقابات والاتحادات المهنية، لبناء سودان جديد قوامه العدالة، وقلبه العامل المنتج ، وروحه النقابي المدافع عن حقوق شعبه .

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.