منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

السفير.د.معاوية التوم يكتب: *مغزي برقية العيد من ديبي إلى البرهان: تهنئة أم إعادة اصطفاف!؟*

0

السفير.د.معاوية التوم يكتب:

*مغزي برقية العيد من ديبي إلى البرهان: تهنئة أم إعادة اصطفاف!؟*

تحمل برقية التهنئة التي أرسلها الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي إلى الفريق أول عبد الفتاح البرهان بمناسبة عيد الأضحى – بوصفها أول رسالة رسمية علنية منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023 – عددًا من الدلالات السياسية والأمنية المهمة، سواء على صعيد العلاقات الثنائية أو المشهد الإقليمي، في لحظة مشحونة بالتوترات الإقليمية والمعارك الداخلية الطاحنة. حملت برقية التهنئة التي بعث بها الرئيس دبي ، دلالات تتجاوز الشكل البروتوكولي إلى عمق سياسي وأمني بالغ الأثر، خاصة وأنها تمثل أول تواصل رسمي منذ اندلاع الحرب في السودان ومترتباتها وانعكاساتها المستقبلية.
أولًا: اعتراف دبلوماسي مستأنف
في عالم السياسة، والعلاقات الثنائية لا تُرسل البرقيات عبثًا، لا سيما في سياقات النزاع. تمثل هذه الرسالة، في جوهرها، إشارة ضمنية إلى اعتراف تشاد بسلطة الفريق اول عبّد الفتاح البرهان كقائد شرعي للسودان، لا يمكن تجاوزه حتى بعد فترة من الغموض والتوجس، ظلّت فيها نجامينا توازن بين علاقاتها التاريخية مع الخرطوم، ومصالحها الأمنية على حدود دارفور، وتماهيها مع التمرد والراعي الأكبر وحفتر ، والصلات غير معلنة بعناصر وقادة قوات الدعم السريع المتمردة . وقد تعكس تحوّلًا جدي في الموقف التشادي نحو الانفتاح مجددًا على الحكومة المركزية في السودان بعد مراحل من العداء والاتهامات أو القطيعة ، الهواجس والحذر والميل الكلي إلى التمرد .
ثانيًا: تهدئة الحافة الغربية
الحدود السودانية التشادية تحوّلت خلال العامين الماضيين إلى واحدة من أخطر الجبهات المنسية. فوضى أمنية، عبور ميليشيات، تدفق سلاح ولاجئين، واتهامات صريحة من قبل السودان بتواطؤ تشادي أو على الأقل تغاضٍ عن تحركات مليشيا الدعم السريع داخل الأراضي التشادية. في هذا السياق، تبدو برقية ديبي محاولة واضحة لـ”كسر الجليد” وتخفيف الاحتقان. بل ان الرسالة قد تُقرأ كمحاولة من الرئيس ديبي لتلطيف الأجواء وإعادة خطوط الاتصال الرسمية لتجنّب مزيد من التصعيد بين الجارين وهذا جهد مطلوب في تحييد الجوار وربما فتح قناة خلفية لإعادة التنسيق الأمني، لا سيما مع تزايد التهديدات العابرة للحدود. وأن تشاد ظلت عضوا لآلية الجوار التي خرجت بها قمة القاهرة بعيد اندلاع الحرب .
ثالثًا: إعادة تموضع إقليمي
يبدو أن الرئيس ديبي بدأ يدرك أن الرهان على استمرار الحرب لا يخدم استقرار تشاد. الفوضى التي جرت في السودان تترجم إلى مخاطر مباشرة على نسيج ديبي الداخلي، سواء من خلال النزوح أو انتقال السلاح أو تغذية التمرّد. خاصة المناطق الحدودية بين السودان وتشاد (دارفور – وادي صالح – أدري والجنينة) التي تشهد نشاطًا مكثفًا لقوات الدعم السريع المتمردة واللاجئين وبمحاذاة ليبيا . من هنا، قد تكون برقية التهنئة بداية إعادة اصطفاف سياسي، أو على الأقل فتح نافذة للتقارب المحسوب مع البرهان، في ظل تغيرات محتملة في موازين القوى.
رابعًا: رسالة للداخل قبل الخارج
ديبي، الذي يواجه تحديات شرعية في الداخل، يدرك أهمية تأكيد صورته كرجل دولة يحظى بعلاقات إقليمية قوية. أبرزها السياج الحدودي والتهنئة للبرهان، رغم ما قد تحمله من محاذير، ترسل إشارة إلى الداخل التشادي بأنه حاضر ومؤثر في محيطه، وقادر على التعامل مع ملفات حساسة كرئاسة السودان والملف الأمني الحدودي. وان تشاد قد وعيت الدرس بأهمية حماية الظهر والعودة لاعمال اتفاق الحدود والتنسيق الامني والحماية المشتركة بين البلدين مستقبلا.
خامسًا: اختبار نوايا سياسي
من جهة أخرى، قد تمثل الرسالة نوعًا من جسّ النبض السياسي تجاه البرهان، هل ما زال منفتحًا على العلاقة مع تشاد؟ هل يمكن تفعيل قنوات التعاون السابقة؟ أم أن الخرطوم باتت تنظر إلى نجامينا بعدسة العداء و الشك والتآمر؟ من واقع الحال والمآل.واهمية احتواء التحديات العابرة للحدود والتنسيق الامني عال المستوى. وان خلافات البلدان مهما تعاظمت تعالج في اطرها عبر الحوار والتفاهمات،
خاتمة:
برقية المعايدة ليست مجرد تهنئة، بل رسالة سياسية مغلفة بلغة دبلوماسية، تمثل بداية اختراق في جدار الجمود بين البلدين، وقد تمهد لاحقًا لتقارب محسوب، خاصة إذا ما استشعرت تشاد أن كفة الحرب تميل لصالح الجيش وفق ما يعكسه المشهد الميداني والانتصارات وتحول العمليات بمحاذاة الحدود مع تشاد. أو أن الاستقرار السوداني بات مصلحة مباشرة لها.فالرسائل الدبلوماسية في زمن الحرب ليست مجرد كلمات، بل أدوات لإعادة بناء الجسور أو إرسال الإشارات. وبرقية الرئيس التشادي، وإن جاءت متأخرة وفي عباءة العيد، إلا أنها تحمل في طياتها ملامح تحوّل دقيق في موقف نجامينا تجاه الخرطوم ، وإدراكًا متزايدًا بأن استقرار السودان هو مفتاح الأمن في تشاد، وأن البرهان – من واقع المعطيات على الارض وتمدد الانتصارات وتحول العمليات على الارض باتجاه الحدود مع الجارة تشاد، هذا يشير بجلاء بأن رئيس مجلس السيادة – باقٍ في المعادلة، وان تشاد راغبة في مراجعة موقفها الحالي ، وهذه انعطافة توجب التعاطي الموجب ، ستؤكدها الايام القادمات.

٩ يونيو ٢٠٢٥م

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.