منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

السفير.د. معاوية التوم يكتب *سيطرة قوات آل دقلو على المثلث الحدودي: التداعيات الجيوسياسية والأمنية على السودان والمنطقة!؟*

0

السفير.د. معاوية التوم يكتب

*سيطرة قوات آل دقلو على المثلث الحدودي: التداعيات الجيوسياسية والأمنية على السودان والمنطقة!؟*

في تطور بالغ الخطورة، عقب إعلان قوات الدعم السريع المتمردة في ١١ يونيو الجاري، سيطرتها على منطقة المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا، المعروفة بمثلث العوينات. وهو موقع جغرافي يقع في أقصى الشمال الغربي للسودان، ويتقاطع عنده حدود ثلاث دول تشهد جميعها أوضاعًا أمنية متقلبة بدرجات متفاوتة. وبيان الجيش السوداني أن قواته “أخلت منطقة المثلث المطلة على الحدود بين السودان ومصر وليبيا” وذلك “في إطار ترتيباتها الدفاعية لصد العدوان”. نشير الي أن قوات التمرد كانت موجودة في هذه المناطق قبل الحرب ضمن خطة الدولة للحماية الحدودية من تدفق السلاح ومكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر الخ . ورغم الطابع الصحراوي الوعر للمنطقة، إلا أن أهميتها الاستراتيجية تتجاوز الطابع الجغرافي إلى أبعاد أمنية واقتصادية وسياسية إقليمية، تجعل من السيطرة عليها نقطة تحول في مسار الحرب المفتوحة على السودان، وتنذر بتعقيدات جديدة في المشهد الإقليمي.
أولًا: المثلث الحدودي.. بوابة خارجية ودعامة خلفية
يُعد هذا المثلث من أهم الممرات الحدودية غير الرسمية، التي لطالما اُستخدمت في أنشطة التهريب وتبادل السلاح والوقود والذهب وحتى البشر، نظرًا لانعدام وجود الدولة فيه ووعورة تضاريسه. وقد شهد خلال السنوات الماضية تحركات لمجموعات عابرة للحدود من المرتزقة وتجار السلاح والمهربين، وكان امتداده الليبي بمثابة منفذ آمن للتمرد للحصول على إمدادات وتمويل خارجي. ولا شك ان السيطرة على هذه المنطقة تمثل إنجازًا استراتيجيًا بالنسبة للعدو يكشف عن نواياه لفتح منافذ خلفية خارج نطاق العمليات العسكرية المباشرة، والتوسع غربًا لتأمين خطوط بديلة للإمداد، خارج إشراف الجيش السوداني.وربما خطة خداعية ازاء الضغوط التي تواجهها قواتهم في محوري كردفان ودارفور .
ثانيًا: الانعكاسات الأمنية والعسكرية
تفتح هذه السيطرة الباب أمام عدة تحولات أمنية وعسكرية:
• توسيع رقعة الحرب جغرافيًا: الانتقال من التركيز على الخرطوم ودارفور إلى الأطراف الشمالية الغربية لتعقيد حسابات القيادة العامة للجيش، وتشتيت قدراته اللوجستية.
• تسهيل عمليات التهريب العسكري: وجود مليشيا الدعم السريع على حدود ليبيا يتيح لها نقل الأسلحة والذخائر من مخازن أو شبكات حلفائه داخل الأراضي الليبية، خاصة في ظل ضعف الدولة هناك.
• التحكم في معابر الهجرة: المنطقة تُستخدم كذلك كممر للهجرة غير النظامية نحو ليبيا وأوروبا، ما يمنح التمرد أوراق ضغط جديدة على أطراف دولية.
ثالثًا: الأثر الاقتصادي… من الذهب إلى الوقود
تشكل المنطقة أحد المعابر الرئيسية لتهريب الذهب السوداني إلى الأسواق العالمية، مرورًا بليبيا. ومع السيطرة عليها، يمكنها كقوات أن:
• تعزز مواردها الذاتية بعيدًا عن الاقتصاد الرسمي للدولة.
• تسيطر على تجارة الوقود القادمة من ليبيا، وبيعه في الأسواق السودانية بأسعار مرتفعة، بما يعزز اقتصاد الحرب.
هذه المعطيات تدفع نحو تضخم الاقتصاد الموازي، وانكماش اقتصاد الدولة الرسمية، وتعمّق من حالة الانهيار المالي التي يعيشها السودان، او هكذا ترمي الخطوة.
رابعًا: أبعاد إقليمية ودبلوماسية مقلقة
لا يمكن قراءة هذه السيطرة بمعزل عن الانعكاسات على الأمن القومي المصري والليبي، فوجود ميليشيا مسلحة على مقربة من حدودهما يعني:
• تهديد مباشر للأمن المصري، خاصة في ظل الحساسية التي تبديها القاهرة تجاه أي تحركات غير منضبطة في هذا القطاع الحدودي.
• تشجيع مزيد من الفوضى داخل ليبيا، حيث قد تتشابك تحركات قوات التمرد مع المجموعات الليبية المسلحة، أو تخلق تحالفات جديدة في الجنوب الليبي.
• محاولة استعادة مسارات التسوية في السودان، إذ إن اتساع رقعة السيطرة الميدانية يُغري قيادات التمرد بالتمسك بمواقعها في أي مفاوضات مقبلة.
خامسًا: السكان المحليون بين التجاهل والتوظيف القسري
رغم قلة الكثافة السكانية في هذه المناطق، إلا أن وجود قوات مسلحة فيها يُضاعف من معاناة من تبقى من سكانها، كما يُتوقع أن تقوم قوات التمرد بـ:
• تجنيد بعضهم قسريًا أو استمالتهم بموارد الحرب.
• استغلالهم في أعمال التهريب أو التجسس أو الاستطلاع، في ظل غياب رقابة أو حماية من الدولة.
سادسًا: مقارنة بين جبهة المثلث ووضع الدعم السريع في الفاشر والأبيض
لفهم دلالات هذا التحرك الحدودي، لا بد من مقارنته بمواقع أكثر اشتعالًا في مسرح الحرب:
خاصة الفاشر والأبيض، حيث يتقدم الجيش ويتراجع التمرد وينحسر . فإن المقاربة يظهر منها أن المثلث ليس جبهة مواجهة بقدر ما هو جبهة تمكين ومناورة استراتيجية عالية الكلفة والاستنزاف ، تجاه ولايتي الشمالية ونهر النيل، تسعى من خلالها قوات العدو إلى توسيع هامش حركتها وتأمين خطوطها الخلفية، وتوظيف موقعها الحدودي كورقة ضغط إقليمية تعيدها للواجهة في ظل انتصارات الجيش، وفقدانها لكامل السودان النيلي.
الخيارات المتاحة للجيش السوداني:
1. الخيار العسكري المحدود (الرد النوعي):
تنفيذ عمليات خاصة وخاطفة لتعطيل خطوط الإمداد وفرض رمزية ميدانية دون الدخول في معركة صحراوية مستنزفة.
2. الخيار الجيوأمني (التنسيق الإقليمي):
تفعيل غرفة تنسيق ثلاثية مع مصر وليبيا لتأمين المنطقة وضبط الحدود، وتحويلها من فراغ أمني إلى منطقة مراقبة متقدمة بقوة مشتركة.
3. الخيار الدبلوماسي والسياسي:
تحريك الملف في الجامعة العربية و مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي بتوصيف السيطرة على المثلث كتهديد إقليمي، وممارسة ضغط على داعمي التمرد.، وتحييد الدعم الليبي/الإماراتي المبذول للتمرد.
4. الخيار الاستخباراتي:
تعقب شبكات الدعم والتمويل العابرة للحدود، وكشف تحركات العدو في المنطقة عبر أدوات الرصد والتسريب الإعلامي.
5. الخيار الإعلامي والدعائي:
توظيف السيطرة على المثلث لتأليب الرأي العام محليًا وإقليميًا، ووصم التمرد بفتح حدود الوطن أمام قوى أجنبية ومصالح مشبوه.
خلاصة
تكشف سيطرة الدعم السريع على المثلث الحدودي ولو مؤقتا عن نقل الصراع من ميدان المدن إلى عمق الجغرافيا الحدودية، بما يعزز قدرات التمرد اللوجستية والمالية ويُضعف مركزية الدولة. كما تؤشر إلى طموحات توسعية تتجاوز حدود السودان، وتهدد استقرار الجوار الليبي والمصري، وتعقّد من فرص الحل السياسي.
لذا فان سيطرة العدو على منطقة المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا تُعد تحوّلًا خطيرًا في ميزان الصراع، يفتح الباب أمام أدوار إقليمية متشابكة، ويمنحهم منفذًا استراتيجيًا لتعزيز نفوذهم عسكريًا واقتصاديًا، مع ما يحمله ذلك من تهديد مباشر للأمن القومي السوداني والمصري والليبي على حد سواء.
توصيات ختامية
1. ضرورة التنسق والمراقبة المشتركة لاب تحركات في المثلث الحدودي عبر تنسيق استخباراتي إقليمي.
2. تحييد المنطقة من الصراع المسلح وضبط تدفق السلاح والموارد.
3. وضع ملف الحدود الغربية ضمن أولويات أي مفاوضات سياسية مقبلة.
4. فضح شبكات الدعم الإقليمي لمليشيا الدعم السريع دوليًا، وتضييق منافذ تمويل الحرب.
والتوصية الاستراتيجية الاهم :
التحرك الذكي يتطلب مزيجًا من الرد الميداني المحدود + التنسيق الإقليمي + التصعيد الدبلوماسي + التجفيف الاستخباراتي.
بهذا تتحول الخطوة التي اقدم عليها التمرد إلى فخ استراتيجي بدلًا من أن تكون ورقة قوة سياسية بيده

١٣ يونيو ٢٠٢٥م

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.