✍️ السفير.د. معاوية التوم *نحو دور متجدد للمرأة في السودان بعد الحرب!؟*
✍️ السفير.د. معاوية التوم
*نحو دور متجدد للمرأة في السودان بعد الحرب!؟*
مقدمة
لعبت المرأة السودانية أدوارًا محورية عبر مختلف الحقب التاريخية، من مقاومة الاستعمار إلى قيادة الحركات الاجتماعية، وبناء الدولة الحديثة.وكان صوتها متقدمًا في (ثورة ديسمبر أبريل ٢٠١٩ ). لكن الحرب التي فرضت على البلاد في أبريل 2023، مثلت نكسة كبرى ضربت نسيج المجتمع، وألقت بظلال قاتمة على النساء بوجه خاص، اللائي تحملن تبعات النزوح، والعنف، فقدان الممتلكات وانهيار الخدمات. في خضم هذا الواقع المأزوم، تظهر الحاجة إلى بلورة دور متجدد للمرأة السودانية، ليس فقط بوصفها متأثرة بالحرب، بل فاعلة مركزية في مسارات التعافي الوطني، وإعادة البناء، وصناعة السلام المستدام.
لا شك أن تبعات الحرب على المرأة وأوضاعها والمؤسسات المعنية بها ستظل عميقة، تعرضت خلالها لهزات عنيفة، وتمزق معها النسيج الاجتماعي وتفاقمت الأزمات الإنسانية على نحو غير مسبوق. وكالعادة، دفعت النساء الثمن الأفدح، ووجدن أنفسهن في قلب المعاناة: نزوحًا، وتشريدًا، وعنفًا ممنهجًا، وفقدًا للعائل والسند. لذا تبرز الحاجة بصورة ملحة لاعادة الاهتمام بها ، ويدور حوار في أوساط عديدة عن مقاربة مسيرة الحركة النسوية السودانية ،و كيف للدولة المدنية التي تتشكل الآن أن تعلي من دور المرأة وموقعها، والنهوض بهن من ضحايا الحرب الجارية إلى روّاد التغيير المأمول.
ووسط هذا الركام، تبرز المرأة السودانية ليس فقط كضحية، بل كركيزة صامدة، تُعيد ترتيب الحياة من تحت الأنقاض، وتبني شبكات دعم غير رسمية، وتقود العمل الإغاثي والمجتمعي في غياب الدولة. لقد آن الأوان للانتقال من رؤية المرأة كمجرد متلقٍ للمساعدة، إلى فاعل محوري في مشهد التعافي الوطني، وبناء السلام، وإعادة الإعمار.
النساء في زمن الحرب: معاناة مضاعفة وصمود استثنائي
شهدت تقريبا كل الحواضر والأرياف في السودان نمطًا ممنهجًا من العنف والانتهاكات ضد النساء، شمل استخدام العنف الجنسي كسلاح حرب، والتجنيد القسري، وحرمان الملايين من الفتيات من التعليم والرعاية الصحية. إلا أن نساء كثيرات تصدين لهذا الواقع المرير بإبداع وقوة: أنشأن مطابخ مجتمعية، وأطلقن مبادرات إغاثية محلية، وتحملن أعباءً اقتصادية ونفسية جسيمة لإبقاء الحياة ممكنة وسط الفوضى والمعاناة التي خلفتها الحرب بمشاهدها المدمرة من الإفقار الكامل والدمار الشامل .
ما بعد الحرب: نحو دور نسائي مختلف
إن إعادة بناء السودان بعد هذه الكارثة لا يمكن أن تتم بعقلية الإقصاء والقولبة والتنميط أو العودة إلى الأدوار التقليدية التي طالما حاصرت النساء. المطلوب هو دور متجدد وشامل للمرأة، يشمل:
• المشاركة في الحوار الوطني والرؤية المستقبلية للبلاد
• المشاركة في مفاوضات السلام وصناعته، لا كمراقبات بل كصانعات قرار.
• التمثيل في مؤسسات الدولة الانتقالية والدستورية بما لا يقل عن 30% من المقاعد.
• الاعتراف القانوني والعدلي بحقوق الناجيات من الانتهاكات، بالعم النفسي والقانوني ومحاسبة الجناة.
• تمكين النساء اقتصاديًا واجتماعيًا، وضمان مشاركتهن في مشاريع إعادة التاهيل والإعمار.
الإرادة السياسية والتشريعية شرط أساس
لا يمكن أن يتحقق هذا الدور المتجدد دون مراجعة جذرية للتشريعات في القوانين والسياسات التي كرست التمييز ضد النساء لعقود. المطلوب هو إصلاح شامل:
• لإلغاء كل القوانين المقيدة لحريات النساء وتكبيلهن.
• لإدماج النوع الاجتماعي في كافة السياسات العامة.
• ولدعم المنظمات النسوية، وضمان وصولها إلى الموارد واتخاذ القرار.
• تعزيز التعليم والتدريب للنساء والفتيات.
خاتمة: المرأة ليست الهامش بل القلب
المرأة ليست تفصيلة في سردية ما بعد الحرب، بل هي صانعة للأمل والطموح، ولحظة التعافي السوداني يجب أن تكون لحظتها. وإذا كان هناك من درس يمكن استخلاصه من هذه المحنة، فهو أن السودان لا يمكن أن يُبنى مجددًا دون النساء، بل لن يُبنى إلا بهن، ومنحهن الثقة في الشراكة المجتمعية واستدعاء تجاربها في السياسة والقضاء وكافة الفضاءات ريادة وإسهاماً.
المرأة ليست رقما مهملا في سردية الحرب أو إعادة الإعمار، بل هي جسر نحو السلام والعدالة والتعايش والصعود المجتمعي . إن بناء سودان ما بعد الحرب يتطلب إعادة هندسة العلاقة بين المجتمع والدولة، وفي قلب هذه الهندسة ينبغي أن تقف المرأة، حاملة لآلام التجربة، وحاضنة في الوقت ذاته لأفق الأمل والنهوض. وهنا لابد أن نجهر بضرورة الاهتمام بهذه القطاع الحيوي في حياة الأمم وكتابة تاريخ الشعوب ، لمراجعة متأنية لمسارات عمل المرأة والمنظومات المهنية والطوعية المعنية بشأنها، وإخضاعها للتدريب ورفع القدرات . كانت في مجال الاسرة او الطفولة او الحماية الي الوضع الصحي والتعليمي. وشراكتها المجتمعية سياسيا واقتصاديا، ونصيبها في قسمة الثروة والسلطة وكافة مؤسسات الدولة . بل هنالك حاجة ملحة بأن ينظر السيد رئيس الوزراء الجديد في اهمية عقد مؤتمر خاص بالمرأة يعنى بقضاياها، و يقف على أوضاعها الراهنة والتحديات التي نجابهها ويستشرف آفاق المستقبل من منظور واقعي مستبصر، يأخذ بتجارب النوع والخصوصية المجتمعية وارث بلادنا في العرف والتقاليد …ووضعها السكاني والحياتي المعيشي وانعكاساته .ولا ينتهي بالتشريعات الخاصة بها أو مشاركتها في المحافل الاقليمية والدولية في القضايا ذات الصلة بها. وإسهامها في البناء الفكري والثقافي والرياضي، والوجهة المستقبلية للدولة، وصولا الي تحسين بيئتها وعودة العافية لكافة المؤسسات الرسمية التي تعنى بالمرأة وفق رؤية كلية تأخد بالعلم والحداثة وتجارب الامم والشعوب من حولنا.
⸻
١٧ يونيو ٢٠٢٥م