✍د. محمد صالح الشيخابي *هل يواصل كامل إدريس ( كشة ) إيلا ؟*
✍د. محمد صالح الشيخابي
*هل يواصل كامل إدريس ( كشة ) إيلا ؟*
رغم التحفظات على رئيس وزراء الإنقاذ السابق السيد محمد طاهر إيلا إلا أنه يُحسب له أنه بدأ في مواجهة أحد أخطر أمراض الدولة المستعصية ألا وهي الترهل الإداري والوظيفي .. كان إيلا قبل أن يُقال من منصبه قد أطلق في أيامه الأولى ما يشبه *(( الكشة))* ضد الأجسام الحكومية الزائدة.. و( الكشة ) بلغة السودانيين تعني إزالة العشوائي وغير الضروري.. وهي كلمة في محلها حين نتحدث عن هيكلة الدولة.
لو نظرنا إلى مؤسسات الدولة لوجدنا عشرات الهيئات والمجالس والمفوضيات و الشركات التي لا حاجة حقيقية لها .. ويمكن دمجها بسهولة داخل الإدارات القائمة في الوزارات أو حتى أقسام صغيرة فيها.. لكنها – للأسف – نشأت وتضخمت بلا مبرر سوى الترضيات السياسية والمحاصصة و ايجاد الوظائف للأقارب و المقربين.. .
خذ مثلًا – على سبيل التخيّل – وزارة الصحة… هي تملك أصلًا إدارة للطب العلاجي وتحتها إدارة للمستشفيات. الآن تخيل معي عزيزي القارئ لو أن هذه الإدارة تحولت فجأة إلى جسم مستقل تمامًا اتخذ لنفسه اسمًا فخيمًا مثل (المجلس الأعلى لإدارة المستشفيات ) بمكاتب و عمارات تطل على شارع النيل و ميزانيات ضخمة ..سيارات ..وشروط خدمة قد تفوق ما يحصل عليه الوزير نفسه. ثم تتفرع من هذا المجلس هيئة جديدة: *((الهيئة العليا للمحاليل الوريدية و الدربات والبنسلين))* لا تسألني عن مهامها فالغرض ليس الخدمة بل الصرف والتضخم الإداري.
وبالمثل، فلنتخيل وزارة التربية والتعليم وقد أنشأت كيانات مثل *((مفوضية الجغرافيا والتاريخ))* أو *((المؤسسة الوطنية للرياضيات))* لتحسين مستوى الطلاب في حين أن ذلك من صميم عمل الوزارة أصلًا .. وربما نسمع قريبًا عن *(( المجلس الأعلى للغفوة داخل الحصة ))* كجهاز يعالج ظاهرة النوم في الحصص المدرسية ويُرفق مع كل تقرير تربوي جدولاً للنعاس المزمن لدى الطلاب!
هذا ما كان يحدث خلال العقود الأخيرة و لكن الحق يقال أن وزارتي الصحة و التعليم هما براء من ذلك تقريبا و لذلك ضربنا بهما المثالين أعلاه
بينما معظم الوزارات فعلت و حتى الوزارات التي لم تنشيء كيانات خارج الهيكلة نجدها قد بارحت ديوان شؤون الخدمة(و الحديث عن ديوان شؤون الخدمة يحتاج لمقال منفصل ) .. الوزارات التي بارحت هذا الديوان أوجدت لنفسها شروط خدمة خاصة و مخصصات مالية أكبر و ربما ( تجنيب أموال ) خارج ولاية وزارة المالية .. وأظن أن هذه الكيانات شبه الحكومية معلومة للكل .. أجسام متناسلة لا تضيف شيئًا سوى استنزاف المال العام وتكديس المناصب وتضليل المواطن وكل ذلك على حساب التنمية والخدمات.
الآن.. إن صح أن السيد كامل إدريس يعتزم تقليص عدد الوزارات .. فهذه خطوة مشجعة في الاتجاه الصحيح. لكن الأهم – بل الأوجب – أن تمتد يده لاحقًا لتفكيك هذه المؤسسات والهيئات والمجالس و المفوضيات والشركات الوهمية التي كانت وما زالت تمتص دم الدولة بلا فائدة ودمجها في الوزارات المختصة ..
الإصلاح لا يكتمل في رأيي إلا إذا أعملنا في الخدمة العامة مبدأ *(( رفع كفاءة الموظف أولا ً و تحفيزه ثانيا ً))* ..و النهضة لا تكتمل إلا إذا عادت الدولة لتصبح جسمًا رشيقًا يخدم المواطن بدلا من أن يتطفل عليه.
*د. محمد صالح الشيخابي..*
يونيو 2025