منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*لا تمنحوا الطامعين ذرائع التدخل ..* بقلم السفير/ رشاد فراج الطيب

0

*لا تمنحوا الطامعين ذرائع التدخل ..*

 

بقلم السفير/ رشاد فراج الطيب

فراج

 

سقطت مدينة الفاشر بعد حصارٍ دام لعامين كاملين ، كانت خلالهما رمزًا للصمود الأسطوري في وجه العدوان ، وملحمة للثبات في زمن الانكسار . قاوم أهلها الجوع والحصار والموت اليومي ، وظلوا يرفعون راية الكرامة في وجه آلة الحرب والدمار . وحين غلبت الكثرة شجاعة القلة المحاصرة ، وانهارت أسوار المدينة المنهكة ، اندفعت مليشيا الجنجويد إلى داخلها في مشهدٍ دمويٍّ مروّع ، كأنهم عطشى للدماء ، مسكونون بنزعة الانتقام والتصفية، يقتلون بلا تمييز ، ويحرقون البيوت والأسواق والمنازل في حالة من الهياج الحيواني لا حدود لها ، وكأن الغاية ليست اسقاط المدينة بل الإبادة ومحو السكان من الوجود .

لكن ما يُخشى أكثر من هذا السلوك الوحشي الظاهر ، هو ما قد يختفي وراءه من أهدافٍ أبعد وأخطر . فالوحشية التي يُظهرها هؤلاء ، وتلك الجرأة في تصوير القتل والتنكيل أمام العالم ، قد لا تكون فقط لإرهاب السكان وكسر إرادة السودان ، بل ربما تهدف إلى استدراج البلاد نحو تدخلٍ خارجيٍ جديد ، يفرض نفسه بحجة وقف الجرائم وحماية المدنيين ، تمامًا كما حدث في تجاربٍ مأساوية في أماكن أخري .

لقد بدأت مقدمات هذا السيناريو تلوح في الأفق ، فالقوى الدولية التي تتحدث عن “القلق” و“الخشية على المدنيين” هي ذاتها التي تفرض العقوبات على الجيش الوطني وهو يؤدي واجبه الدستوري ، وتضرب عليه حظرًا للسلاح ليُشلَّ دفاعه ، بينما تُغض الطرف عن مصادر تمويل وتسليح المليشيات . وهي القوى ذاتها التي قد تسعى في المرحلة المقبلة إلى التدخل المباشر تحت غطاءٍ أممي أو إنساني أو حتى تحت دعوى “الحفاظ على السلم والأمن الدوليين”.

والأخطر من ذلك أن بعض تصريحات المسؤولين بحسن نية أو بغفلة سياسية عن العواقب قد تفتح الباب لهذا التدخل ، وعبر إطلاق نداءاتٍ غير منضبطة ، مثل “إنقاذ الفاشر” ، أو “دعوة المجتمع الدولي للقيام بواجباته” ، أو “منع تمدد الحرب وحماية المدنيين” . أو الترحيب باي جهد أو مبادرة لحل الأزمة وكانما هي أزمة سياسية او نزاع علي السلطة ، وهي دعوات ، وإن بدت إنسانية في ظاهرها ، إلا أنها حين تُطرح دون تحديدٍ دقيق لشكل المساعدة المطلوبة وشروطها وضوابطها وحدودها ، تصبح بوابة مفتوحة أمام التدخل الخارجي ، وتمنح الطامعين الذريعة التي عجزوا عن تحقيقها بقوة سلاح المليشيا .

إن حماية المدنيين ووقف المجازر هدفٌ نبيل ومشروع ، لكن لا ينبغي أن يكون على حساب سيادة السودان ووحدته . فالمطلوب هو دعمٌ إنساني وسياسي منضبط ، لا وصاية سياسية أو احتلال مقنّع . ومن الواجب على المسؤولين وصانعي القرار أن يصوغوا نداءاتهم بلغةٍ دقيقة تحدد المطلوب بوضوح في الضغط علي ممولي وداعمي التمرد وفي فرض عقوبات عليه وتصنيفه منظمة ارهابية واجرامية ، وفي منعه من الحصول علي السلاح وحظر تحركاته في عواصم الدول بحرية لحضور الاجتماعات والظهور في المنابر الاعلامية . ولامانع من طلب مساعدات إنسانية و غذائية بسب حاجة البلاد .

إن على السودان وهو يواجه هذا العدوان الوحشي ، أن يظل متيقظًا ، فالمعركة اليوم ليست فقط مع مليشيا خارجة عن القانون ، بل مع منظومة مصالحٍ دولية تسعى لإعادة رسم خريطة السودان من بوابة “الإنقاذ الإنساني” . لذلك وجب التحذير فلا تمنحوا الطامعين ذرائع للتدخل . فالتدخل الخارجي مهما كانت شعاراته ، يبدأ بذريعة إنسانية وينتهي بفقدان السيادة وخراب الدولة .

ستبقى الفاشر بصمودها عنوانًا للشجاعة والتاريخ ، وستبقى دماء أهلها شاهدًا على أن شعب السودان لن يُهزم إلا حين تُغفل بصيرته ، لا حين تضعف قوته.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.