منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*القاتل هو عبدالرحيم دقلو* ✍️ بقلم: عوض الله نواي

0

*القاتل هو عبدالرحيم دقلو*

 

✍️ بقلم: عوض الله نواي

 

بورتسودان – وكالة One Press للتحقيقات الصحفية والإعلام

في فجرٍ غابر من فصول الحرب، وقف عبدالرحيم دقلو أمام جنوده، يرفع سبّابته ويقول بصوتٍ لا يرتجف:

«لا نريد أسيرًا حيًّا… أكرر، لا نريد أسيرًا حيًّا».

تلك الجملة القصيرة كانت كفيلة بتحويل كل بندقية إلى فتوى بالقتل، وكل جندي إلى منفّذٍ لوصيةٍ لا تعرف الرحمة.
لم تكن مجرد توجيهاتٍ ميدانية كما زعموا، بل إعلان نيةٍ واضحة لإبادةٍ جماعيةٍ تُنفّذ بغطاءٍ من “الأوامر العليا”.
ومنذ تلك اللحظة، لم يعد القتل في معسكر المليشيا عملاً حربيًا، بل منهجًا رسميًا يُنفّذ ويُوثّق أمام الكاميرات.

في الجيوش النظامية، التحية تُرفع احترامًا للنظام والانضباط.
أما في عالم المليشيا، فالتحية تُرفع بعد تنفيذ الجريمة، وتُختم بعبارةٍ مألوفة: “تنفيذًا لتوجيهات القيادة.”
وبين الكلمة والرصاصة تكمن الحقيقة: أن الأوامر لم تكن عسكرية، بل جنائية، وأن القائد الذي أصدرها لم يكن بعيدًا عن مسرح الجريمة، بل في قلبه.

ثم ظهر المجرم الميداني المعروف باسم “أبو لؤلؤ”، أحد أفراد طاقم الحراسة الشخصي لعبدالرحيم دقلو، في مقاطع مصوّرة يتفاخر فيها قائلاً: إنه أعدم الآلاف ونسي العدد، ثم وعد أن “يبدأ من جديد”.
لم يكن يتحدث كقاتلٍ هارب، بل كجنديٍ واثقٍ من الحماية.
وحين مثّلت المليشيا لاحقًا مسرحية اعتقاله لتجميل وجهها أمام الرأي العام، ظهرت المفارقة المدوّية:
السيارة التي ظهرت خلفه أثناء “الاعتقال” كانت سيارة طاقم حراسته الخاصة، وهو الطاقم نفسه الذي ينتمي إلى حراسة عبدالرحيم دقلو.
بمعنى آخر، من يفترض أنهم “اعتقلوه” كانوا من ذات الفريق الذي يحرسه.

لم تكن تلك مصادفة، بل دليلاً بصريًا على التواطؤ.
فالقاتل لم يخرج عن الطاعة، بل نفّذ حرفيًا ما سمعه من قائده الأعلى،
ثم تم إخراجه مؤقتًا من المشهد عبر مسرحيةٍ إعلاميةٍ مكشوفةٍ عنوانها: “نحاسب المجرمين” بينما هم في الحقيقة يحرسونهم.

التصوير أثناء القتل لم يكن توثيقًا، بل احتفالًا بالدم.
إن الجاني الذي يفتح كاميرته أثناء الجريمة لا يدوّن الحدث، بل يوثّق نشوة السيطرة.
تُظهر اللقطات حالةً ذهنيةً خالية من الندم أو الخوف، مما يثبت “القصد المسبق” في القانون الدولي.
كل ثانيةٍ في تلك المقاطع تساوي صفحةً من لائحة الاتهام،
وكل ضحكةٍ بعد الإعدام جملةُ اعترافٍ لا تُمحى.

ثم جاءت المفارقة الكبرى حين ظهر عبدالرحيم دقلو نفسه بعد أيامٍ قليلة على الشاشات قائلاً:

“نحن أوصينا بحماية المدنيين، ولا نريد أذى لأحد.”

نسي الرجل، أو تناسى، أنه هو نفسه من قال قبلها: «لا نريد أسيرًا حيًّا».
ونسِي أن العالم شاهد جنوده يقتحمون المستشفى السعودي في الفاشر،
يقتلون المرضى والمسنين والأطباء، ويحوّلون ردهاته إلى مقابر صغيرة.
ذلك المشهد وحده يكفي لفضح زيف بيانات الرحمة التي أصدرها لاحقًا.

لقد اختزل عبدالرحيم دقلو المليشيا كلها في جملتين متناقضتين:
الأولى أمرٌ بالقتل، والثانية محاولةٌ للتبرؤ منه.
لكن الدم لا يُمحى ببيان، ولا يمكن لقاتلٍ أن يتخفّى خلف شعارات “حماية المدنيين” بعدما أغرقهم بأوامره في الدم.
فالأوامر خرجت من فمه، والرصاص خرج من تحت سلطته، والمقاطع خرجت من هواتف رجاله.

ويُقال في الحكمة: «من يأمر بالذبح، يُساق إليه وإن تأخّر اليوم.»
وقد جاء اليوم الذي أصبحت فيه مقاطع المليشيا لا تُعرض في قروبات الدعم،
بل في ملفات التحقيق الدولي، حيث يُسمع صوت عبدالرحيم وهو يقول:

«لا نريد أسيرًا حيًّا»
كمفتاحٍ لملف الإبادة الجماعية وجرائم الحرب ضد المدنيين في الفاشر ودارفور.

فالقائد الذي أمر، وحارسه الذي نفّذ، والمسرحية التي أُخرجت—all خيوطها تعود إلى رجلٍ واحد.
القاتل هو عبدالرحيم دقلو.
ومن ظنّ أن الكاميرا ستخلّد بطولته، سيكتشف أنها حفظت اعترافه.
وفي النهاية، لن يبقى من التحية إلا صدى السؤال الأخير:
كم من الأبرياء ماتوا تنفيذًا لتوجيهاتك؟

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.