زاوية خاصة نايلة علي محمد الخليفة *خطاب كامل إدريس رؤية سلام تصطدم بثوابت السودانيين وتتجاهل دعم الإمارات للميليشيا*
زاوية خاصة
نايلة علي محمد الخليفة
*خطاب كامل إدريس رؤية سلام تصطدم بثوابت السودانيين وتتجاهل دعم الإمارات للميليشيا*

خطاب رئيس الوزراء د. كامل إدريس أمام مجلس الأمن الدولي ، جاء وفق رؤية رسمية تسعى لتقديم الدولة السودانية كطرف يمتلك مبادرة متكاملة للسلام ، تستند إلى مرجعيات دولية وتخاطب المجتمع الدولي بلغة القانون والالتزامات الأممية ، من حيث الشكل ، بدا الخطاب متماسكًا ، واعيًا بميزان القوى الدولي ، وحريصًا على إظهار الحكومة بوصفها صاحبة مشروع سلام لا مشروع حرب ، مع التأكيد على حماية المدنيين واستعادة سلطة الدولة ووقف دائرة العنف ، غير أن هذا الخطاب عند وضعه في سياقه الداخلي ، يصطدم مباشرة بثوابت راسخة لدى قطاعات الشعب السوداني ، هذه الثوابت تشكّلت بفعل التجربة القاسية للحرب ، وبفعل الفظائع الواسعة التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في حق المدنيين ، من قتل واغتصاب ونهب وتهجير قسري وتدمير للبنية الاجتماعية ، هذه الذاكرة الجمعية لا تتعامل مع الميليشيا كطرف سياسي يمكن إدماجه ، بل كقوة متمردة فقدت أخلاقيًا ووطنيًا ، أي أهلية للعودة إلى المشهد العام ، سواء عبر مفاوضات سياسية أو ترتيبات عسكرية.
واحدة من أهم النقاط التي تبرز الضعف في خطاب كامل إدريس ، تجاهله بشكل كامل للدور الخارجي في إشعال واستمرار الحرب ، وعلى رأسه الدعم الإماراتي المباشر لميليشيا الدعم السريع ، فهذا الدعم الذي شمل العتاد العسكري والتمويل والدعم البشري ، كان عاملًا حاسمًا في صمود الميليشيا أمام الجيش السوداني ، ولولاه لما استمرت المعارك بهذه الوتيرة وبهذا المدنى الزمني ، الذي تخطى ثلاثة اعوام ، إن القفز على هذه الحقيقة في منبر دولي معني بالأمن والسلم يفرغ الخطاب من أحد عناصره الجوهرية ، ويُضعف الدعوة لوقف تدفق السلاح ، طالما لم تُسمَّ الجهات الداعمة بأسمائها ، ولم تُحمَّلها مسؤولياتها السياسية والأخلاقية ، وبالنسبة للرأي العام السوداني ، لا يمكن الحديث عن سلام عادل دون مواجهة صريحة للدور الإماراتي بوصفه أحد المحركات الأساسية للحرب ،
صحيح أن د. كامل إدريس شدد على ثوابت الدولة ، مثل خروج الميليشيا من المناطق التي احتلتها ، وتجميع قواتها في معسكرات محددة ، ونزع السلاح وهو ما ينسجم مع مطالب الشارع ، إلا أن حديثه عن إعادة الدمج والتأهيل ، وتدابير بناء الثقة ، وحوار سوداني سوداني شامل ، يفتح بابًا واسعًا للرفض الشعبي ، فالميليشيا ومعها جناحها السياسي الذي وفّر الغطاء والدعم والتبرير ، سقطا أخلاقيًا ووطنيًا كما اسلفت ، ولا يمكن إعادة تدويرهما في المشهد العام دون محاسبة حقيقية وعدالة غير انتقائية.
التصادم هنا ليس مع مبدأ السلام في حد ذاته ، بل مع تعريف أطرافه وحدوده ، فالشعب السوداني يرى أن السلام الحقيقي يبدأ بالعدالة لا بالمساومات ، وبإنهاء التمرد وتجفيف منابعه الداخلية والخارجية ، قبل الحديث عن المصالحات والحوارات ، ومن هذه الزاوية ، يبدو خطاب كامل إدريس متقدمًا في مخاطبة الخارج ، لكنه يصطدم بواقع داخلي صلب ، لا يقبل أنصاف الحلول ولا سلامًا يُبنى على تجاهل الدم والذاكرة…لنا عودة.
