جهاد الرباني يكتب : لماذا تم إخلاء مدينة أثينا بالكامل من سكانها؟!
في عام 1959…
عثر عالم آثار أمريكي اسمه البروفيسور مايكل جيمسون على لوح حجري في مقهى يوناني صغير، وكان هذا اللوح قد عثر فلاح يوناني أثناء عمله، فاستخدمه لسنوات كعتبة لباب بيته، قبل أن يتبرع به ليستعمل في المقهى اليوناني، ليكتشف العالم الأمريكي أن هذا اللوح المهمل هو أحد أهم الآثار الحجرية في التاريخ الإنساني، فقد كان منقوشًا على هذا اللوح ما عرف في التاريخ بـ “مرسوم ثيميستوكليس” “Decree of Themistocles”، وهو مرسوم أصدره قائد المقاومة اليونانية ثيميستوكليس يقضي بإخلاء مدينة “أثينا” من جميع سكانها، بحيث ينقل الشيوخ والنساء والأطفال إلى مدينة “تريزينا” “Troezen”، وينقل الرجال على متن الأسطول الأثيني للانضمام لجيش المقاومة اليونانية لمواجهة الغزاة الفرس!
ولأول مرة في التاريخ… يتم إخلاء مدينة كاملة من سكانها!
ولكن لماذا أمر ثيميستوكليس بإخلاء أثينا؟
كان “ثيميستوكليس” مؤمنًا بهذا الاعتقاد:
“الوطن هو الإنسان”
فكان يعتقد أن بناء الإنسان وحمايته والدفاع عنه وصون حقوقه هو الاستثمار الناجح لأي وطن، وأنه حتى لو نجح الفرس في احتلال “أثينا” وتدمير أبنيتها حجرًا حجرًا، فإن أبناءها اللاجئين سيعودون حتمًا يومًا ما إلى وطنهم ليعيدوا بناءه من جديد على صورة أفضل وأجمل وأكثر تطورًا، طالما بقيت شعلة المقاومة مشتعلة في صدورهم، وطالما ظلت فكرة الحرية مزروعة في وجدانهم، أما إذا نجح الغزاة في تدمير الإنسان الأثيني، إما بقتله أو تحوليه إلى عبد مسلوب الإرادة، أو مسخ فاقد للهوية، كهؤلاء الذين ارتضوا حياة العبيد، فعندها، وعندها فقط، يكونون بالفعل قد نجحوا في تدمير “أثينا”!
لذلك بدأ “ثيميستوكليس” يشرح للناس فلسفته التي بنى عليها استراتيجيته في الدفاع عن الوجود الأثيني:
“أثينا ليست مكانًا، أثينا هي الإنسان الأثيني”
استراتيجية المقاومة التي خطط لها “ثيميستوكليس” مبكرًا منذ الأيام الأولى التي أعقبت “معركة ماراثون”، تلخصت بهذه الجملة البسيطة:
“لا يمكن هزيمة الفرس إلا بمعركة بحرية فاصلة”
لهذا السبب أمر بإخلاء أثينا من سكانها، وبالفعل استطاع الفرس اقتحام أثينا عن طريق البر، وقاموا بإحراقها وتدمير مبانيها العظيمة، ولكنهم لم يجدوا فيها سكانها، الذين تم إنقاذ غالبيتهم على متن سفن الإخلاء.
وبعد ذلك بأيام… نهض اللاجئون الأثينيون ومن معهم في جيش المقاومة اليونانية وتمكنوا من تدميرأسطول الغزاة الفرس في “معركة سالاميس” البحرية، ورجعوا بعد ذلك لمدينتهم المخربة، فأعادوا بناءها على نحو أفضل من ذي قبل، واستطاعوا تكوين إحدى أشهر الحضارات في تاريخ الإنسانية، بعد أن كانوا على شفا الإبادة الجماعية من قبل الفرس!
من كتاب “المعركة الأخيرة” لجهاد الترباني